ولأنه تواتر عن أهل البيت من طريق أهل السنة والشيعة أن علمه تعالى بالشيء قبل كونه كعلمه تعالى بعد كونه. وروى الفريقان عن أمير المؤمنين أنه قال:"والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالأشياء علما قبل كونها، فلم يزدد بكونها علما علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بها بعد تكوينها". وروى علي بن إبراهيم القمي من الفرقة الاثني عشرية عن منصور بن حازم قال:"سألت أبا عبد الله هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟ قال: لا، من قال هذا فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله بالأمس؟ قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق"، إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة. ولأن الجهل بالبعض نقص، والنقص على الله تعالى محال.
واحتج من أنكر شمول علمه تعالى بقوله تعالى:{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وأمثاله، وبأنه لو علم سبحانه الأشياء قبل كونها لزم أن لا يقدر على شيء، وهو ينافي الربوبية، وذلك لأن ما علم الله تعالى وقوعه فهو واجب، وما علم الله تعالى عدمه فهو ممتنع، ولا قدرة على الواجب والممتنع.
والجواب عن الآية أن المراد علم ظهور ومشاهدة، وعن الدليل العقلي أن الفعل لا يمكن أن يوجد بغير فاعل موجد من غير نكير، ولأنه تعالى يعلم وقوعه بقدرته، ومثل هذا لا ينافي المقدورية قبل تحققها، وذلك ظاهر.
واحتجوا أيضا بأنه لو علمها لزم تغير علمه تعالى، وهذا على الواجب تعالى محال، لأنه لو علم أن زيدا يأكل السفرجل غدا، فإذا أكل في الغد، فإن بقي العلم بحالته فهو جهل، لكونه غير مطابق للواقع، وإن زال وحصل العلم [بأنه أكل] تغير الأول من الوجود إلى العدم، والثاني بالعكس.
والجواب أن العلم صفة يتجلى بها المعلومات، بمنزلة المرآة يكشف بها الصور، فلا يتغير بتغير المعلومات كما لا تتغير المرآة.