واحتج من خالف أهل الحق بأن الأمر بما لا يراد سفه، وكذا النهي عما يراد، والله سبحانه منزه عنه.
والجواب أن ذلك ممنوع، لأن الغرض من الأمر ليس بمنحصر في إيقاع المأمور به، والغرض من النهي ليس بمنحصر في إيقاع المنهي عنه، فإنه يصح وجود الأمر بدون الإرادة، كما يكون مع الإرادة وجود النهي، ولا يكون سفها. ألا ترى أن السيد إذا أراد إظهار عصيان العبد للحاضرين يأمره بشيء ولا يريده منه، وينهاه عن شيء ويريده، ولأن إرادة وقوع ما لم يعلم أنه لا يقع سفه وعبث، وهو سبحانه منزه عنهما. ولأنه روى الكليني عن فتح بن يزيد الجرجاني: أن لله تعالى إرادتين: إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وحوا أن يأكلا من الشجرة، وشاء ذلك، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى.
واحتجوا أيضا بأنه سبحانه يكره المعاصي، فكيف يريدها؟
والجواب أنه ربما تجتمع الإرادة والكراهة، كمن أراد أمرا لأمر ما وهو يكرهه، وأفعاله تعالى لا تخلو عن الحكمة والمصلحة. ولأن الكتاب العزيز قد نص على ذلك كما سبق. وفي خاتمة الزبور: "هل تدري يا داود أي المؤمنين أحب إلي؟ الذي إذا قال: لا إله إلا الله اقشعر جلده، وإني أكره له الموت كما يكره الوالد لولده، ولابد له منه، إني أريد أن أسره في دار سوى هذه، فإن نعيمها فيها بلاء، ورجاءها فيها شدة، ومن أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة". فهذا أيضا ناص على أنه سبحانه قد يريد شيئا ويكرهه، فإنه يريد موت المؤمن الموصوف بتلك الصفة ويكرهه.