للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتفوه به من له مسكة من العقل.

قل للذي يدعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

ثم روى عن الأصمعي عن إسحاق بن سويد قال: أنشدني ذو الرمة:

وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما يفعل الخمر

فقلت له: فعولين خبر لكونا، فقال لي: لو سبحت لربحت، وإنما قلت: وعينان فعولان فوصفتهما بذلك، قال المرتضى: "وإنما تحرز ذو الرمة بهذا الكلام من القول بخلاف العدل". اهـ.

وهو باطل؛ لأنه وصفهما بذلك للمبالغة، إذ لا يقول ذو لب أن الخمر تخلق الإسكار، ولو أراد ما ذكره المرتضى لم يفد سوى أنه ما لا علم له ولا إرادة ولا قدرة، كالعين والخمر، شريك الله من خلقه، وهذا قول بطلانه أظهر من الشمس. وقد تبع هؤلاء الضلال المعتزلة، وكلا الفريقين وافقوا المجوسز وزعموا أن القول بخلاف ذلك يستلزم الظلم، وسموا هذا القول عدلا، وسموا أنفسهم عدلية، وأرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه عن سلطانه، وأثبتوا له شركاء من خلقه. وقد ظنوا أن أمر الخلق هين حتى زعموا أن مثل الذرة وما دونها خالق لأفعاله.

والحق ما ذهب إليه أهل السنة ومن وافقهم من أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى مكسوبة للعبد. وما زعمه المخالفون باطل، لأنه يستلزم أن يكون الكافر الذي علم الله تعالى أنه يختار الكفر ويموت عليه قادرا على أن يخلق فيه الإيمان، وليس كذلك، وإلا لزم أن ينقلب العلم جهلا، هذا خلف. ولأن العبد حال الفعل إن لم يتمكن من الترك كان مجبورا لا مختارا، وإن تمكن فلا بد له من مرجح لوجوب الفعل، ولم يمكن منه، وإلا لزم

<<  <   >  >>