وروى الكليني عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله أنه قال:"إن الله تعالى خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه سعيدا لم يبغضه أبدا وإن عمل سوءا أبغض عمله ولم يبغضه، وإن خلق شقيا لم يحبه أبدا وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه أبدا، وإذا أبغضه لم يحبه أبدا". وروى الكليني وغيره من الإمامية عن أبي نصير أنه قال: كنت بين يدي أبي عبد الله جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبو عبدا لله: أيها السائل، علم الله عز وجل لا يقوم له أحد من خلقه بحقه، فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على طاعته ووضع ثقل العمل تحقيقا لما هم أهله، ووضع لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ومنعهم إطاقة القبول، فوافقوا ما سبق لهم في علمه، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه".
واحتجوا أيضا بأنه لو كان الله تعالى خالقا لفعل العبد لزم إفحام الأنبياء؛ لأنه إذا قال النبي للكافر: آمن بي، يقول الكافر: قل للذي بعثك يخلق في الإيمان حتى أؤمن، وقد خلق في الكفر، وأنا لا أتمكن من مقابلته، فيفحم النبي ولا يتمكن من جوابه.
والجواب أن النبي يقول له: إن الله تعالى أمرني بالتبليغ، وبيده الرد والقبول، وليس لي من الأمر شيء. أو يقول: دعوتي قد تكون داعية لك إلى الفعل واختياره، فيخلق الله تعالى فعل القبول عقبها. ولأن هذا يرد أيضا على تقدير كون العبد خالقا لأفعاله، لأن العبد إذا قال للنبي: إن الله تعالى أجرى بيدي، وأنا لا أتمكن من مقابلته وقهره، أو قال: إنه منعني من إطاقة القبول ووهب لي قوة على خلق المعصية دون الطاعة، فكيف يكلفني بالإطاقة؟، أو قال: إن الله تعالى أراد لي السوء ونكت في قلبي نكتة سوداء وسد مسامع قلبي ووكل بي شيطانا يضلني، فقل له: يريد بي الخير وينكت في قلبي نكتة من نور ويفتح مسامع قلبي ويوكل بي ملكا يسددني حتى أؤمن بك، فيفحم النبي أيضا.