اضطرب وظن أن الرسول جاء بنفسه لأداء الحج فأمر الجيش كلهم بالوقوف، فإذا علي طلع عليهم فاستفسر منه بعد ما لاقاه:"أمير أنت أم مأمور؟ " فقال علي: "بل أنا مأمور"، فذهب أبو بكر مع عسكره وخطب قبل التروية وأخذ يبين مناسك الحج على طبق طريق الإسلام. وتولية علي رضي الله تعالى عنه على القراءة يدل على اعتناء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصديق رضي الله تعالى عنه لأن قراءة سورة براءة في هذا الجم الغفير وتبليغها لكل منهم تحتاج إلى التردد الكثير والكلفة الشديدة وإلى رفع الصوت، ولا يمكن لأمير الحج لشغله بتفحص أعمال الحج وحفظ الناس من الفتنة والفساد وما يفسد الإحرام وغير ذلك، فأحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدي هذا الأمر معه رجل عظيم القدر. ولأن عادة العرب في أخذ العهد ونبذه أن يتولاه الرجل بنفسه أو رجل من خاصة أهله، فأرسل عليا أميرا على القراءة وأبا بكر أميرا على الحج. وأيضا في ذلك مصلحة أخرى، وهي أن يتبين للناس أن العهد والميثاق معتنى بشأنه أشد اعتناء، لذا عيّن له شخصا ولم يجعله من توابع الحج. ولو سلمنا أنه عزل فعزله لم يكن لعدم أهليته لذلك لأنهم أجمعوا على عدم عزله عن إمارة الحج وكفى بها فضيلة، وإذا لم ينعزل عنها ثبت له اللياقة المتضمنة لإصلاح عبادات ألوف مؤلفة من المسلمين المستلزمة لأداء أحكام كثيرة وتعليم مسائل لا تحصى، فكيف لا يكون أهلا لقراءة آيات معدودة بصوت؟ على أن عليا لم ينفرد بذلك.
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد هذا العام