للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه قال: "يمن المرأة تسهيل أمرها في صداقها". وروى أحمد والبيهقي مرفوعا بإسناد جيد: "أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا". وغاية ما يثبت من الآية جواز المغالاة ولو مع الكراهة، مع ذلك إن الآية ليست نصا في أن هذا القنطار مهر، إذ يحتمل أن يكون عطاء الحلي وغيره لا بطريق المهر، فإن الزوج لا يصح له الرجوع عن هبة زوجته خصوصا إذا أوحشها بالطلاق، والنهي عما يجوز لمصلحة هي نصيحة للمؤمنين في حفظ أموالهم من الإضاعة والإسراف لا شك في جوازه. فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدا عن طلاق زينب مع أن الطلاق جائز بلا شبهة. وقد نهى علي أهل الكوفة عن تزويج الحسن مع أن التزويج جائز بلا شبهة حيث قال: "يا أهل الكوفة لا تجوزوا الحسن فإنه مطلاق للنساء".

وأما قوله: "كل أحد أعلم من عمر" فإنه من باب التواضع وحسن الخلق، فإنه لو أبطل استنادها بالتوجيهات الحقة لم ترغب بعد ذلك في استنباط المعاني من كتاب الله، فأظهر ذلك استحسانا لها واعترافا بالقصور على نفسه على زعمها ليكون بعد ذلك لها ولغيرها تحريض على تتبع معاني القرآن واستنباط الدقائق منه. وهذه منقبة عظيمة لعمر مخصوصة به. وإلا فأي رئيس ذي اقتدار يرضى أن يكون مغلوبا لامرأة يحضور الأعيان والأكابر؟ فالطعن عليه بهذه القصة من عدم الإنصاف. ولو فرضنا أن عمر لم يتأت له ارتجالا جوابا ما لكنه كان يمكنه أن يقول: اقتلوا هذه المرأة فإني أذكر سنة النبي وهذه الجاهلة تقابلها بالكتاب، ألم يفهم النبي معاني الكتاب كما هي وتفهم هذه المرأة أحسن منه؟

<<  <   >  >>