للمصالحة فأفشوا القتال، فاجتمع رأيهم على ذلك. فلما غشي الليل أنشبوا نار الحرب ووقع ما وقع. فهذا الحرب لم يكن عن عزيمة من الفريقين كما ذكر القرطبي وجماهير من أهل العلم. وهذا هو الصحيح المشهور.
وكان معاوية يومئذ بالشام ولا يريد المحاربة مع الأمير، غير أنه التمس منه أن يسلمه قتلة عثمان أو يخرجهم من عنده، وكان الأمير يأبى ذلك. ولما فرغ من حرب الجمل استقر رأي الناس إلى المسير إلى معاوية فبلغه ذلك فاضطر إلى الخروج إلى الشام. ولما تهيأ كل منهم إلى القتال أرسل الأمير كرم الله تعالى وجهه جمعا من أصحابه إلى معاوية، منهم بشر بن عمرو بن محصن الأنصاري، ليدعوه إلى الطاعة، فقال بشر: إني أنشدك الله أن لا تفرق جماعة هذه الأمة وأن لا تسفك دماءها، فقال معاوية: ما يطلب من علي إلا قتلة عثمان فإنهم شرار الخلق، فانصرفوا وأخبروه بذلك. وامتنع الأمير أن يسلمهم وأبى معاوية إلا تسليم القتلة، ورأى القتال معهم واجبا لأنهم كانوا بغاة وكذلك من يعاونهم، وأخطأ هو ومن معه من الصحابة وهم رجال معدودون وقد رجع أكثرهم عن ذلك، ولكنهم صاحبوا معاوية خوفا من قتلة عثمان وحضر بعضهم ولم يقاتل. ومع ذلك لم يبدأ معاوية بالقتال وإنما بدأ الأمير كرم الله تعالى وجهه لعدم طاعة معاوية للخليفة، فكان هو ومن معه من البغاة، ويجب على الأمير أن يحاربهم حتى يرجعوا عما هم عليه من البغي. وقد صح عن الأمير أنه قال:"أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل" كذا في نهج البلاغة. وإنما امتنع الأمير من تسليم القتلة لشوكتهم وشدة شكيمتهم وكثرتهم واختلاطهم مع العسكر، فرأى تأخير التسليم أصوب إلى أن يرسخ القدم في الخلافة وتتفق كلمة المسلمين