حتى سافر الحسن بن الصباح الحميري مع جمع من أصحابه وأسرته إلى بلاد قهستان، وكان يزعم أنه شيعي من فرقة الإسماعيلية وأن الإمام بعد المستنصر ولده نزار دون المستعلي، وكان يتنقل من قرية إلى قرية، فبنى خارج الحصن عريشا واشتغل بالرياضات الشاقة وأظهر للناس كمال الزهد والورع حتى انخدع به جماعة كثيرة من أهل الحصن وأحلوه محل الإمام وانقادوا لأمره ونهيه، ولم يدروا أنه ذئب تقمص بجلد شاة، وكان في غاية من الفقر واشتاقت نفسه للرئاسة والإمارة، فخدع حاكم الحصن فانخدع وأخرجه منه وانتزع ملكه من يده، وذلك سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. وابتدع النزارية فسير دعاته إلى الرساتيق والحصون الحصينة من قهستان وطبرية وقزوين ليدعوا الناس إلى مذهبه، فلبوا دعوته إلا فريقا من المؤمنين. فكثرت أشياع ابن صباح حتى سير دماعات من دهات أتباعه إلى القرى والأمصار ليردوا أعيان أهلها من العلماء والأمراء على أعقابهم، فدخل كل جماعة بلدة ولازم كل رجل منهم من يريد إعطائه، وكان يخدمه أحسن خدمة، فإذا انتهز فرصة قتله فيهرب أو يقتل. فقتلوا على هذه الكيفية جما غفير من أهل الحق وبعض الأمراء ومن خالفهم من المسلمين وعاندهم. ثم حاربوا الملوك فغلبوا واستولوا على كثير من القلاع والبلاد. وعاش ستين سنة ثم لما دنت وفاته واستيقن أنه يرتحل عن الدنيا عن قريب استخلف كيا من خلفائه وأحب أصحابه إليه، وكان صاحب سره وأعلق بقلبه من ولده. ثم إن كيا لم يمتد عمره بل لحق سلفه إلى بئس المصير. ثم استولى على ملكه بعده ولده محمد، ثم ابنه الحسن وادعى أنه من ولد نزار بن المستنصر كما سلف، فأظهر ما أخفاه أسلافه من الزندقة.
وبقي الملك فيهم مائة وإحدى وسبعين سنة، ثم أبادهم الله تعالى على يد التتار، فلم يبق منهم من يدعي الإمامة.