ولكن الصحابة أضاعوا وصيته في وصيّه، ولم يطيعوا الله ورسوله فيما أمروا به، ونبذوا أمر الرسول وراء ظهورهم وارتدوا على أعقابهم إلا أربعة منهم، وعصب أبو بكر وصاحباه حقه وظلموه. فاعتقدوا ذلك حقا وحسبوا هنالك صدقا، فصدق إبليس عليهم ظنه فاتبعوه من دون الله، لا يلتفتون في ذلك لعذل عاذل ولا يصغون لقول قائل ولا يفيدهم الوعظ والزجر ولا ينفعهم الدعاء والذكر. والذكرى تنفع المؤمنين وتفيد الموحدين.
ثم إن ابن سبأ لما رأى من طاعة قومه له ما رأى وحصل له بعض الأماني، قصد أن يظهر مطلوبه ويطلب منهم مراده ومقصوده، فاختلى بطائفة منهم ممن لا يفرق بين القشر واللب ولا يميز بين الغث والسمين، وناجاهم بأنكم قد شاهدتم من خوارق الأمير ما شاهدتم وعلمتم أن ذلك مما لا يمكن صدوره عن بشر، كقلب الأعيان وإحياء الموتى والإخبار عن الغيوب وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك، فما تقولون فيه؟ قالوا أنت أعلم به منا وأبصر بحاله. قال هلموا إلي في الليل أبين لكم رأيي فيه. فلما جاءوه عشاءً قال: يا معشر الأحباب وذوي الألباب، إنكم لتعلمون أنه لا يمكن صدور مثل تلك الأمور إلا من الله، فاعلموا أن عليا هو الإله لا إله إلا هو، وقد سمعت منه أنه يناجي: أنا حي لا يموت، أنا باعث من في القبور، أنا أقيم القيامة! فجذبهم بعنان كذبه وافترائه إلى الكذب والضلال لأنهم كانوا مستعدين لمثل هذا، {وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}، وكل ميسر لما خلق له، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}.