فإنهم قالوا إن الله تعالى أنظر إبليس إلى يوم الوقت المعلوم، ومكنه من إضلال المكلفين وخلق له قدرة على ذلك، والواجب عليه أن لا ينظره لأنه الأصلح للمكلف، وأن لا يمكنه إضلالهم فإن تمكينه إخلال بالواجب، وأن لا يخلق له تلك المقدرة فإن خلقها كذلك. ولأنهم زعموا أن الله سبحانه أمر محمد بن الحسن المهدي أن يختفي بعد أن خوّفه الأعداء ما يزيد ألف سنة في الكتاب المختوم بخواتم الذهب فحرم عباده من اللطف بسبب إخافة جمع من أهل بلد انقرضوا.
الثانية: يقولون إن أهل السنة يجوزون أن يفعل الله تعالى القبيح.
وهو افتراء أيضا، فإن مذهب أهل السنة أنه لا قبيح منه تعالى، بل ذلك إنما يلزم من أصولهم المؤسسة على شفا جرف هار، فإن من مكّن على فعل القبيح فهو كفاعله، كمن دفع سكينا إلى رجل يعلم أنه يمزق بطن نفسه، فإنه مما يذمه أهل العقول. وقد صرحوا بخلقه تعالى القدرة للعاصي على خلق أفعاله القبيحة، فإنه أيضا قبيح. وأيضا قواعد أصول القوم على أن الله تعالى يفعل القبيح، فإنهم لا ينكرون أنه تعالى يخلق للعاصي القدرة والإرادة ويمكّنه من الشر، وكل ذلك قبيح. وأنه تعالى أباح لحوم الحيوانات للإنسان وسلطه عليها فيأخذها ويعذبها، ولا شك أن الإنسان أكثرهم عصاة والحيوانات مطيعة وتسليط العاصي على المطيع قبيح، وأنه تعالى يبسط الرزق لكثير من عباده وهو يعلم أن الغنى أضر له من السم الواقع حيث إنه يتمكن بسببه من سفك الدماء والجور والظلم وسائر المنهيات، ويعلم أن منهم من يدعي الألوهية كنمرود وفرعون والمقنع وغيرهم، وأن منهم من يقتل الأنبياء والصالحين بغير حق، والتمكين من القبيح قبيح.