ولا تعدها، قال الفقير المذكور: فقلت له بالله من أنت؟ قال: أنا قاسم القرطبي، فعرفته من تلك الساعة، ثم خرج وخرجت إلى السوق فأنفقت منها أشياء غير واحدة والصرة بحالها، ثم حملت ذلك إلى البيت، واتسع الحال إلى يوم من الأيام دخلت سوق الصوف، فرأيت خرقة أعجبتني، فاشتريتها بثلاثين درهما، وغلبتني نفسي إلى عد الصرة ففعلت، فلم ألبث إلا قليلا وفرغت، فجئت لأزوره، فلما رآني تبسم وقال لي على البديهة: ألم أقل لك لا تعدها؟ وحدثني أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد المعطي، بتدلس، قال: خرجنا مع الشيخ نفع الله به وركبنا البحر، وحملنا آلة الصيد للحوت، ولم نزل نتصيد إلى قريب الظهر فلم يفتح لنا بشيء، ثم نظر إلينا وسكت ساعة ثم أخذ في الكلام في الأحوال والمعارف إلى أن انهمك فيها، وتمكن وقت الصلاة ثم رجع إلى حاله، فصلينا الفريضة بالساحل ثم عدنا نتصيد، فقال: الآن يفتح لكم به، قال: فرأينا على وجه الماء حيتانا قد أخرجت رؤوسها من الماء كالمصابيح، ثم صارت تترامى علنا في الرزق حتى امتلأ حوتا، فلله ما أطيب وقتنا حينئذ وما أبركه، لقد خشعنا وبكينا وتواجد بعضنا وجددنا التوبة مع الله، والاعتقاد والعهد مع الشيخ رضي الله عنه في الاستغفار والثناء على الله.
وقال أبو العباس ابن الخطيب: حضرنا مع الشيخ بوادي بجاية في بعض الجنات، فتكلم كثيرا إلى أن أخذ في شرح أقاويل الشيوخ أن العارف فوق ما يقول، وان العالم دون ما يقول، فخطر ببالي إنه من خواص العارفين، فالتفت إلي وقصدني بنظره وهو يتبسم فقال: نعم يا أحمد كما قلت ونويت.
وذكر عبد الله السلاوي -وكان من أصحاب الشيخ أبي الحسن الحرالي- قال: مرض سيدي أبو الفضل القرطبي فزرته، فلما جلست إليه جعلت ابكي، فقال لي: لم تبكي؟ فقلت: يا سيدي ابكي خوفا من فقدك وفراقك، قال لي: لا تخف، فاني لا أموت في هذه المدة بل أفيق وأرجع إلى الصحة، وما