شبه سنة فرأيت مرجا مريعا مخضر الجناب، رائق الجلباب، وفي وسطه بركة ماء كأنها اللجين، وفي ذلك المرج طاووس لا يرى في طواويس الدنيا مثله، وإذا به يخاطبني بلسان فصيح، ونطق بين صريح، يقول لي اطلب حقا واجبا اطلب حقا واجبا، فأتممت الصلاة وجلست بمجلسه المبارك لاستماع الذكر، وبعد فراغه وانصراف الناس عنه أقبل علي وقال لي أفتاك ربك، فقلت له أفتاني يا سيدي. قلت وفي هذا له -رضي الله عنه- كرامات أحدها أحالته على فتيا ربه، والثانية صدور الفتيا له، والثالثة إخباره له بأن ربه أفتاه وأطلعه على ذلك. وكراماته رضي الله عنه وأحواله المباركة الصادرة عنه مما لا يحصى وصفه، ولا يسع نظمه ووصفه.
ولما اشتهر أمره ببجاية سعي به عند خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش، فأمر بطلوعه إلى مراكش وكتب لوالي بجاية في ذلك وأمر أن يحمله خير محمل، فلما وصل إليه الأمر، اجتمع عليه أكابر أصحابه وعز عليهم فراقه وتألموا من حاله وانفوا عليه، فقال رضي الله عنه لا عليكم، شعيب شيخ كبير ضعيف لا قدرة له على المشي، منيته قدرت بغير هذه البلدة ولا بد من الوصول إلى محل منيته. فقيض الله له من يحمله برفق ويسوقه إلى مرام المقادير أحسن سوق، والقوم لا أراهم ولا يرونني، فطابت بذلك نفوسهم وذهب ضيرهم وبؤسهم، وارتحل رضي الله عنه إلى أن وصل تلمسان ونزل بها بالموضع المسمى بالعباد وهنالك قال لأصحابه رضي الله عنه: لا بأس بالنوم بهذا المكان، فوافته هناك منيته، وشرفت تلك البقاع تربته، وهذه من جملة كراماته رضي الله عنه وقبره هناك معمر مشهود، وحوض مورود، والدعاء عنده مستجاب، وهو