تجويز مثل هذا، فإنه يرى أن القصد إنما هو الوصول إلى حقيقة الأمر، فبأي وجه وصل إليه حصل المقصود، ولأجل هذا يجوزون قضاء الحاكم بعلمه والحق خلافه لقوله صلى الله عليه وسلم فإنما أقضي له على نحو ما أسمع والله الموفق.
ويناسب هذا من وجه ما حكي أن واليا كان بالإسكندرية يسمى قراجة وكان بها إذ ذاك الفقيه أبو عبد الله ابن جارة وكان عالما رفيع القدر قد ألبسه العلم والإعراض عن أبناء الدنيا لباس الهيبة، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، واتفق أن عامل رجل يوما بياعا ودفع له درهما جعله البياع في قبضته ثم لم تتم بينهما المعاملة فقال له الرجل: اصرف علي درهمي، فقال البياع لا أعرفه في الدراهم ولكن هذا درهم مكانه فحلف الرجل بطلاق زوجته أن لا يأخذ إلا درهمه بعينه، وكثرت بينهما المراجعة في ذلك إلى أن تداعيا إلى الوالي هذا الرجل المسمى قراجة، فوصفا له القصة فأطرق ساعة ثم قال للبياع ادفع للرجل جميع ما في قبضتك من الدراهم ويدفع لك مكانها دراهم من عنده فيتحلل بذلك من يمينه؛ وكانت فتوى حسنة مرضية صحبها ذكاء، فنهى المجلس بحاله إلى الفقيه أبي عبد الله ابن جارة فاستحسن فتواه وصوبها، فنهي المجلس بحاله إلى الفقيه أبي عبد الله ابن جارة فاستحسن فتواه وصوبها، ثم خاف أن يحمله العجب على أن يفتي في غيرها من المسائل بغير علم ولا موافقة شرعية فوجه إلى الوالي حتى وصل إلى باب داره فقال له، أنت المفتي بين الرجلين في أمر كذا؟ فقال نعم، فقال له ومن أباح التسور على فتاوى المسلمين والدخول في أحكام الشرع وإنما أنت صاحب شرطة؟ فلا تتعرض لما لم تؤهل له. فقال له يا فقيه أنا تائب من ذلك، فقال له: أما إذا تبت فانصرف واشتغل بالجد فيما كلفت ولا تتعرض لما ليس من شأنك، أو كما قال.