تكون الحياة كلها جدا ودأبا، لا راحة فيها ولا مرح، وأن تكون عابسة لا ضحك فيها ولا بشر، وإنما أريد ألا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة، وأوقات العمل على حاشيتها وطرفها.
بل أريد أكثر من ذلك: أن تكون أوقات الفراغ خاضعة لحكم العقل كأوقات العمل، فإننا في العمل نعمل لغاية، فيجب أن تصرف أوقات الفراغ لغاية كذلك، إما لفائدة صحية كالألعاب الرياضية المشروعة، وإما للذة نفسية كالمطالعات العلمية، وأما لغذاء روحي كالقيام بقراءة القرآن والحديث الشريف ونوافل الطاعات والعبادات.
أما أن تكون الغاية هي قتل الوقت، فليست غاية مشروعة، لأن الوقت هو الحياة، فقتل الوقت قتل الحياة! فالذين يصرفون أوقاتهم الطويلة في نرد أو شطرنج أو لغو أو لهو غير مشروع، لا يعملون لغاية يرتضيها العقل، وكذلك الذين يتسكعون في المقاهي والأندية والطرقات، لا يطلبون إلا قتل الوقت، كأن الوقت عدو من أعدائهم!
ومفتاح العلاج لهذه المشكلة: الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن يغير موضوعات حبه وكرهه كما يشاء، ويستطيع أن يغير ذوقه كما يشاء، فيستطيع أن يمرن ذوقه على أشياء لم يكن يتذوقها من قبل، وعلى كراهية أشياء كان يحبها من قبل، ففي استطاعة أغلب الناس - إذا قويت إرادتهم - أن يقسموا أوقات فراغهم إلى ما ينفعهم صحيا، وإلى ما ينفعهم عقليا، وإلى ما ينفعهم دينيا.
ومن الأسف أن عامة الناس يعتقدون أن قراءة القصص الحقيقة والمجلات الرخيصة كافية لغذاء عقولهم، فهم يلتهمونها التهاما،