آية. وكان عثمان الباقلاوي دائم الذكر لله تعالى، فقال: إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج! لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر. وأوصى بعض السلف أصحابه فقال: إذا خرجتم من عندي فتفرقوا، لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم.
واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فإن في ((الصحيح)) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة)) (١). فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل؟! وهذه الأيام مثل المزرعة، فهل يجوز لعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى؟
[بيان ما يعين على اغتنام الوقت]
والذي يعين على اغتنام الزمان: الانفراد والعزلة مهما أمكن، والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقي، وقلة الأكل، فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل. ومن نظر في سير السلف، وآمن بالجزاء، بان له ما ذكرته.
[علو همم العلماء السالفين وفضل تصانيفهم]
ولقد كانت همم القدماء من العلماء علية، تدل عليها تصانيفهم،
(١) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، رواه الترمذي في ((جامعه)) ٥١١:٥ في الدعوات، والحاكم في ((المستدرك)) ٥٠١:١ في الدعاء. وقال الترمذي فيه: ((حديث حسن غريب)). وقال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم)). انتهى. فقول ابن الجوزي: ((في الصحيح ... ))، ليس كما ينبغي لأنه يتبادر منه أنه في الصحيحين أو في أحدهما وليس هو كذلك.