صوارف الفتور والملل، ولكل جسم صلاح، ولكل نشاط مفتاح، ولا يخفى ذلك على الحريصين النبهاء.
[لزوم الاشتغال بالمهم وتقديمه على غير المهم]
قال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:((والعلم كالبحار المتعذر كيلها، والمعادن التي لا ينقطع نيلها، فاشتغل بالمهم منه، فإنه من شغل نفسه بغير المهم، أضر بالمهم)). انتهى.
وهذا ما أشار أليه العباس بن الحسن العلوي، - وكان أحد العلماء العقلاء النبهاء، والأذكياء البلغاء الشعراء، وكان في صحابة الخليفة هارون الرشيد والخليفة المأمون بعده (١) - في نصيحته الغالية التي أستحسن أن أوردها بتمامها، لما حوت من عميق الفكر وبليغ القول.
[وصية العباس العلوي في تقديم الأهم على الهام]
قال العباس رحمه الله تعالى: ((اعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء، ففرغه للمهم. وأن مالك لا يغني الناس كلهم، فخص به أهل الحق. وأن كرامتك لا تطبق العامة - أي لا تعمهم وتتسع لهم -، فتوخ
(١) قال الخطيب في ((تاريخ بغداد)) ١٢٦:١٢ ((وهو من أهل المدينة، قدم بغداد في زمن هارون الرشيد، وأقام في صحابته، وصحب المأمون بعده، وكان عالما شاعرا فصيحا. - ولم يذكر سنة وفاته -، قال عبد الله بن مسلم: جاء العباس بن الحسن، إلى باب المأمون، فنظر إليه الحاجب ثم أطرق، فقال له العباس: لو أذن لنا لدخلنا، ولو اعتذر إلينا لقبلنا، ولو صرفنا لا نصرفنا، فأما اللفتة بعد النظر فلا أعرفها! ثم أنشد: وما عن رضا كان الحمار مطيتي ولكن من يمشي سيرضى بما ركب!)) ثم ذك ذكر الخطيب في ترجمته وصيته ونصيحته الآتية، وهي من أبلغ النصائح وأنفعها.