للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالغيرة على التفويت تفويت آخر، كما يقال: الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر! ولذلك يقال: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك (١).

فالوقت منقض بذاته، منصرم بنفسه، فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، وعظم فواته، واشتدت حسراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفوت مقدار ما أضاع! وطلب الرجعى فحيل بينه وبين الاسترجاع! وطلب تناول الفائت، وكيف يرد الأمس في اليوم الجديد؟! (وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)؟! (٢) ومنع مما يحبه ويرتضيه، وعلم أ، ما اقتناه ليس مما ينبغي للعاقل أن يقتنيه، وحيل بينه وبين ما يشتهيه!

فيا حسرات، مال إلى رد مثلها ... سبيل! ولو ردت لهان التحسر!


(١) قال ابن أبي جمرة في كتابه ((بهجة النفوس)) ٩٦:٣ ((معناه: اقطع الوقت بالعمل، لئلا يقطعك بالتسويف)). انتهى. ويمكن أن يقال معناه: أنك إذا لم تكن يقظا للاستفادة من الوقت والانتفاع به، هلكت كما يهلك من وجهت إليه الضربة بالسيف، فإن لم يكن يقظا لردها والسلامة منها قطعته وأهلكته، فإن الوقت سيف قاطع، وبرق لامع. ولهذا قال القائل:
وكن صارما كالوقت فالمقت في عسى ... وإياك علا فهي أخطر علة!
وقالوا: من علامة المقت، إضاعة الوقت.
(٢) من سورة سبأ، الآية ٥٢. والتناوش: التناول. والآية الكريمة تتحدث عن حال الكفار في الآخرة، الذين فوتوا على أنفسهم في الدنيا: الإيمان بالله تعالى. أي: ومن أين لهم في الآخرة تناول الإيمان، والتوبة من الكفر؟ وقد كان قريبا منهم في الدنيا فضيعوه! وكيف يقدرون على الظفر به في الآخرة وهي بعيدة من الدنيا؟!.

<<  <   >  >>