فيها البركات والنفحات، كساعات الأسحار والفجر والصباح، وساعات هدأة الليل والفراغ التام والسكون الكامل للمكان (١).
(١) قال الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي أحد عقلاء بني آدم: أصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر. وقال الزمخشري في ((أساس البلاغة)) في (وضع): ((وفي كلام بعضهم: إذا كان وجه السحر، فاقرع علي بابي حتى تعرف موضع رأيي)). قال عبد الفتاح: إنما قال الخليل والزمخشري ما قالاه عن وقت السحر وفضله، حين كان الفجر وما قبل الفجر هو وقت ذروة النشاط العقلي والارتياح الجسمي في حياة أولئك الناس، أما اليوم فتغيرت الحال! فصار هذا الوقت عند أكثر الناس أثقل الأوقات بالنوم والارتخاء! وذهبت عنهم ساعات الصفاء والسكون، وذهبت معها نسمات الأسحار ونفحات الأبرار! وقال الإمام الأديب أبو علي الحسن ابن رشيق القيرواني، في كتابه ((العمدة، في محاسن الشعر، وآدابه، ونقده)) ٢٠٨:١، في الباب الذي عقده بعنوان (باب عمل الشعر، وشحذ القريحة له)، ما يصلح أن يستفيد منه طالب العلم، لحل المعضلات، وفتح المقفلات، واستظهار المحفوظات، قال رحمه الله تعالى: ((ومما يجمع الفكرة استلقاء الرجل على ظهره، وعلى كل حال فليس يفتح مقفل بحار الخواطر مثل مباكرة العمل بالأسحار، عند الهبوب من النوم، لكون النفس مجتمعة لم يتفرق حسها في أسباب اللهو أو المعيشة أو غير ذلك مما يعييها، وإذ هي مستريحة جديدة كأنما أنشئت نشأة أخرى، ولأن السحر ألطف هواء وأرق نسيما، وأعدل ميزانا بين الليل والنهار. وإنما لم يكن العشي كالسحر - وهو عديله في التوسط بين طرفي الليل والنهار - لدخول الظلمة فيه على الضياء، بضد دخول الضياء في السحر على الظلمة. ولأن النفس فيه كالة مريضة من تعب النهار وتصرفها فيه، ومحتاجة إلى قوتها من النوم متشوقة نحوه. = فالسحر أحسن لمن أراد أن يصنع - أي يصنع الشعر أو يؤلف أو ينشئ أو يدرس المعضلات والمشكلات ـ وأما لمن أراد الحفظ والدراسة وما أشبه ذلك فالليل، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا). انتهى.