للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمعنى إذًا أشيع وأسير حكمًا من اللفظ؛ لأنك في اللفظي متصور لحال المعنوي ولست في المعنوي بمحتاج إلى تصور حكم اللفظي. فاعرف ذلك.

واعلم أن العرب تؤثر من التجانس والتشابه وحمل الفرع على الأصل ما إذا تأملته عرفت منه قوة عنايتها بهذا الشأن وأنه منها على أقوى بال ألا ترى أنهم لما أعربوا بالحروف في التثنية والجمع الذي على حده فأعطوا الرفع في التثنية الألف والرفع في الجمع الواو والجر فيهما الياء وبقي النصب لا حرف له فيماز به, جذبوه إلى الجر فحملوه عليه دون الرفع لتلك الأسباب١ المعروفة هناك فلا حاجة بنا هنا إلى الإطالة بذكرها ففعلوا ذلك ضرورة ثم لما صاروا إلى جمع التأنيث حملوا النصب أيضًا على الجر فقالوا ضربت الهندات " كما قالوا مررت بالهندات "٢ ولا ضرورة هنا لأنهم قد كانوا قادرين على أن يفتحوا التاء فيقولوا: رأيت الهندات فلم يفعلوا ذلك مع إمكانه وزوال الضرورة التي عارضت في المذكر عنه, فدل دخولهم تحت هذا -مع أن الحال لا تضطر إليه- على إيثارهم واستحبابهم حمل الفرع على الأصل وإن عرى من ضرورة الأصل. وهذا جلي كما ترى. ومن ذلك حملهم حروف المضارعة بعضها على حكم بعض في نحو حذفهم الهمزة في نكرم وتكرم ويكرم لحذفهم إياها في أكرم لما كان يكون هناك من الاستثقال لاجتماع الهمزتين في نحو أؤكرم وإن عريت بقية حروف المضارعة -لو لم تحذف- من اجتماع همزتين وحذفهم أيضًا الفاء من نحو وعد, وورد, في يعد ويرد لما كان يلزم -لو لم تحذف- من وقوع الواوين ياء وكسرة،


١ قال الأشموني في مبحث إعراب المثنى في باب المعرب والمبني. "وحمل النصب على الجر فيهما -يريد التثنية وجمع المذكر السالم- لمناسبة النصب للجر دون الرفع؛ لأن كلا منهما فضلة، ومن حيث المخرج؛ لأن الفتح من أقصى الحلق، والكسر من وسط الفم، والضم من الشفتين".
٢ سقط ما بين القوسين في ش، ب وثبت في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>