للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت مرة لأبي١ بكر أحمد بن علي الرازي -رحمه الله- وقد أفضنا في ذكر أبي علي ونبل قدره ونباوة٢ محله: أحسب أن أبا علي قد خطر له وانتزع من علل هذا العلم ثلث٣ ما وقع لجميع أصحابنا, فأصغى أبو بكر إليه ولم يتبشع هذا القول عليه.

وإنما تبسطت في هذا الحديث ليكون باعثًا على إرهاف الفكر واستحضار الخاطر والتطاول إلى ما أوفى نهده, وأوعر سمته وبالله سبحانه الثقة.

باب في الدور٤ والوقوف منه على أول رتبة

هذا موضع كان أبو حنيفة -رحمه الله- يراه ويأخذ به. وذلك أن تؤدي الصنعة إلى حكم ما مثله مما يقتضي التغيير؛ فإن أنت غيرت صرت٥ أيضًا إلى مراجعة مثل ما منه هربت. فإذا حصلت على هذا وجب أن تقيم على أول رتبة،


١ في هامش ب: "أبو بكر الرازي هو المشهور من أصحابنا بالجصاص" والجصاص هو شيخ الحنفية ببغداد، التصانيف الكثيرة، منها شرح مختصر الكرخي، وكتاب في أصول الفقه. وقد طبع له في القسطنطينية سنة ١٣٣٥هـ كتاب أحكام القرآن في ثلاثة مجلدات. وكانت وفاته سنة ٣٧٠هـ. وانظر الشذرات ٣/ ٧١، والنجوم الزاهرة ٤/ ١٣٨، والفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي.
٢ النباوة: الارتفاع والشرف.
٣ تنازعه خطر وانتزع، وقد أعمل الثاني.
٤ المقصود بهذا المبحث "الدور في الفقه" وهو أن يعتق السيد أمته في مرض الموت ويعقد النكاح عليها فإنها لا ترث للزوم الدور وذلك أنها لو ورثت لكان عتقها تبرعا على وارث في مرض الموت، وهو يتوقف على إجازة الورثة وهي منهم. وإنما تصح إجازتها إذا عتقت. فتوقف عتقها على إجازتها، وتوقف إجازتها على عتقها، والخلوص من الدور بعتقها دون إرثها، وانظر كتابة الباجوري على الرحبية في الفرائض: ٦٢. وهو غير المبحث السابق فيه "دور الاعتلال ص١٨٤"؛ فإن ذاك في الدور يقع في العلة لحكم في العربية يقول بها النحوي، فيعود على العلة بالفساد، وهنا يراد أن القياس على النظائر في بعض الأمور يقتضي بحكم، فتكف العرب عنه؛ لأنه يفضي إلى الدور ومن أمثلة الدور أنك لو نسبت إلى العصا تقلب الألف واوا فتقول: عصوي، فإذا قلت هذا فإن الواو تدخل في باب الواو المتحركة المفتوح ما قبلها، وهذا يقضي بقلبها ألفا، ولكن تجنب هذا فرارا من الدور؛ فإنك لو قلبت الواو ألفا لعدت فقلبت الألف واوا؛ لوقوعها قبل ياءي الإضافة، فترجع إلى الواو. وانظر شرح الرضي للشافية ٣/ ١٠٩.
٥ في و"عرت" وهو محرف من "عدت".

<<  <  ج: ص:  >  >>