للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما كان أقوى قياسه وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه. فكأنه إنما كان مخلوقًا له. وكيف كان لا يكون كذلك وقد أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحة علله ساقطة عنه كلفه, وجعله همه وسدمه١، لا يعتاقه عنه ولد ولا يعارضه فيه متجر ولا يسوم به مطلبًا ولا يخدم به رئيسًا إلا بأخرة٢ وقد حط من أثقاله وألقى عصا ترحاله! ثم إني -ولا أقول إلا حقًا- لأعجب من نفسي في وقتي هذا كيف تطوع لي بمسئلة أم كيف تطمح بي إلى انتزاع علة! مع ما الحال عليه من علق الوقت وأشجانه وتذاؤبه٣ وخلج٤ أشطانه، ولولا معازة٥ الخاطر واعتناقه٦، ومساورة الفكر واكتداده٧، لكنت عن هذا الشأن بمعزل وبأمر سواه على شغل.

وقال لي مرة رحمه الله بهذه الانتقالات: كما جاز إذا سميت بـ "ضرب " أن تخرجه من البناء إلى الإعراب كذلك يجوز أيضًا أن تخرجه من جنس إلى جنس إذا أنت نقلته من موضعه إلى غيره.

ومن طريف ما ألقاه -رضي الله تعالى عنه- علي أنه سألني يومًا عن قولهم هات لا هاتيت فقال "ما هاتيت "؟ فقلت: فاعلت فهات من هاتيت كعاط من عاطيت فقال: أشيء آخر فلم يحضر إذ ذاك فقال أنا أرى فيه غير هذا. فسألته عنه, فقال: يكون فعليت, قلت: ممه؟ قال: من الهوتة٨،


١ السدم: الهم.
٢ يريد خدمته عضد الدولة بن بويه. وقد صنف له الإيضاح والتكملة.
٣ أي اضطرابه واختلافه كتذاؤب الرياح. وقد أثبت "تذاؤبه" بالمعجمة، وفي أ: "تداؤبه" بالمهملة. وفي ش، ب: "تداويه"، وكلاهما تحريف.
٤ الأشطان جمع شطن وهو الحبل، وخلج الأشطان جذبها وانتزاعها. وضبط في أ "خلج" بالتحريك. والخلج: الفساد فالمعنى: فساد أشطانه وأسبابه.
٥ المعازة: المغالبة.
٦ يقال: اعتنف الأمر: أخذه بعنف. يريد أنه يأخذ خاطره بالشدة.
٧ أي جهده والإلحاح عليه. وقوله: "اكتداده" كذا في أ، ب. وفي ش: "اكتداره". وهو تحريف.
٨ بفتح الهاء وضمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>