للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا في أشعارهم الدالة على الاهتمام بها، والتعلب في إحكامها كثير معروف. فهذا وجه.

وثان: أن من المحدثين أيضًا من يسرع العمل ولا يعتاقه بطء ولا يستوقف فكره، ولا يتعتع١ خاطره. فمن ذلك ما حدثني به من شاهد المتنبي وقد حضر عند أبي علي الأوارجي٢، وقد وصف له طردًا٣ كان فيه وأراده على وصفه فأخذ الكاغد والدواة واستند إلى جانب المجلس -وأبو علي يكتب كتابا- فسبقه المتنبي في كتبه الكتاب فقطعه عليه ثم أنشده:

ومنزل ليس لنا بمنزل

وهي طويلة مشهورة "في شعره "٤.

وحضرت أنا مجلسًا لبعض الرؤساء ليلة٥ وقد جرى ذكر السرعة وتقدم البديهة وهنالك حدث من غير شعراء بغداد, فتكفل أن يعمل في ليلته تلك مائتي بيت في ثلاث قصائد على أوزان اخترناها٦ عليه ومعان حددناها له فلما كان الغد في آخر النهار أنشدنا القصائد الثلاث على الشرط والاقتراح وقد صنعها وظاهر إحكامها وأكثر من البديع المستحسن فيها.

وثالث: كثرة ما ورد في أشعار المحدثين من الضرورات؛ كقصر الممدود, وصرف ما لا ينصرف, وتذكير المؤنث ونحوه. وقد حضر ذلك وشاهده جلة أصحابنا


١ يقال: تعنعه: أقلقه وأزعجه.
٢ كذا في أ، ج. والأوارجي منسوب إلى الأوارجة وهو من دفاتر أصحاب الخراج، وهو لفظ فارسي، وفي ب: "الأوراجي" وفي ش: "الأدراجي". وأبو علي الأوارجي هو هارون بن عبد العزيز الكاتب. وقد مدحه المتنبي بالقصيدة التي مطلعها:
أمن ازديارك في الدجى المرقباء ... إذ حيث أنت من الظلام ضياء
٣ الطرد: مزاولة الصيد.
٤ كذا في ش، ب وسقط هذا في أ. والأرجوزة في الديوان. انظر معاهد التنصيص ٢/ ٤٨.
٥ كذا في ش، ب، وفي أ، ج: "ليلا".
٦ كذا في أ، ب. وفي ش: "اخترعناها" وهذه ظاهر أنها محرفة عن: "اقترحناها".

<<  <  ج: ص:  >  >>