للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أبي عمرو إلى آخر وقت, والشعراء من بشار إلى فلان وفلان ولم نر أحدًا من هؤلاء العلماء أنكر على أحد من المولدين ما ورد في شعره من هذه الضرورات التي ذكرناها وما كان نحوها فدل ذلك على رضاهم به وترك تناكرهم إياه.

فإن قلت: فقد عيب بعضهم كأبي نواس وغيره في أحرف أخذت عليهم قيل: هذا كما عيب الفرزدق وغيره في أشياء استنكرها أصحابنا. فإذا جاز عيب أرباب اللغة وفصحاء شعرائنا كان مثل ذلك في أشعار المولدين أحرى بالجواز.

فإذا كانوا قد عابوا بعض ما جاء به القدماء في غير الشعر بل في حال السعة وموقف الدعة كان يرد من المولدين في الشعر -وهو موقف فسحة وعذر- أولى بجواز مثله.

فمن ذلك استنكارهم همز مصائب وقالوا: منارة ومنائر ومزادة ومزائد فهمزوا ذلك في الشعر وغيره وعليه قال الطرماح:

مزائد خرقاء اليدين مسيفة ... يخب بها مستخلف غير آئن١


١ قبله:
كأن العيون المرسلات عشية ... شآيب دمع العبرة المتحائن
المتحائن: المتتابع. وشآبيب الدمع: دفعاته، واحدها شؤبوب، وقوله: "مزائد" خبر "كأن" واحدها المزادة، وهي ضرب من القرب يجعل فيه الماء. والمسيفة: وصف من أساف الخارز: أفسد الخرز. والمستخلف: من يستقي الماء. والآئن: البطيء من الأون وهو الراحة.
وفي شرح ديوان الطرماح: "من الأين وهو الأعياء" وقوله: "يخب" ضبط بضم الياء من الإخباب وفقا لما في الديوان، وهذا ليوافق قول الراعي:
مزائد خرقاء اليدين مسيفة ... أخب بهن المخلفان وأحفدا
وفي أ: "يخب" بفتح الياء وضم الحاء من الخبيب. انظر شعراء ابن قتيبة في ترجمة الراعي ٣٧٨ طبعة الأستاذ أحمد شاكر، وديوان الطرماح ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>