للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن العرب تختلف أحوالها في تلقي الواحد منها لغة غيره, فمنهم من يخف ويسرع١ قبول ما يسمعه، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتة, ومنهم من إذا طال تكرر لغة غيره عليه لصقت به, ووجدت في كلامه, ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل: يا نبيء الله! فقال: "لست بنبيء الله ولكنني نبيّ الله" , وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أنكر الهمز في اسمه فرده على قائله، لأنه٢ لم يدر بم سماه, فأشفق أن يمسك على ذلك, وفيه شيء يتعلق بالشرع فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور, أو حاظر مباح.

وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحي قال: اجتمع أبو عبد الله ابن الأعرابي وأبو زياد الكلابي على الجسر ببغداد فسأل أبو زياد أبا عبد الله عن قول النابغة الذبياني:

على ظهر مبناةٍ٣ ...

فقال أبو عبد الله ٤: النَّطع٥, فقال أبو زياد: لا أعرفه, فقال: النطع فقال أبو زياد: نعم أفلا ترى كيف أنكر غير لغته على قرب بينهما.


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "يسوغ".
٢ كذا في ش، ب. وسقط في أ.
٣ هو من قوله:
كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه حصير نمقنه الصوانع
على ظهر مبناة جديد سيورها ... يطوف بها وسط اللطيمة بائع
والميناة -بفتح الميم وكسرها- تتخذ من الجلد بضم بعضه إلى بعض ويضع عليه التاجر أمنعته، وكانوا يضعون الحصير عليها يطوفون بها لبيعها.
٤ كذا في ش، ب. وفي أ: "ابن الأعرابي".
٥ يريد أنه سأله عن المبناة ما هي فقال: النطع بفتح النون، فأنكر ذلك إذ كان من لغته النطع بكسر النون، وأورد اللسان القصة في "نطع".
٦ كذا في ش، ب. وفي أ: "تراه".

<<  <  ج: ص:  >  >>