للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجودك أسماء مشتقة من الأفعال؛ نحو: قائم من قام, ومنطلق من انطلق, ألا تراه يصح لصحته، ويعتل لاعتلاله, نحو: ضرب فهو ضارب, وقام فهو قائم؛ "وناوم فهو مناوم"١. فإذا رأيت بعض الأسماء مشتقًا من الفعل, فكيف يجوز أن يعتقد سبق الاسم للفعل في الزمان, وقد رأيت الاسم مشتقًا منه, ورتبة المشتق منه أن يكون أسبق من المشتق نفسه. وأيضًا فإن المصدر مشتق من الجوهر؛ كالنبات من النبت, وكالاستحجار من الحجر, وكلاهما اسم. وأيضًا فإن المضارع يعتل لاعتلال الماضي, وإن كان أكثر الناس على أن المضارع أسبق من الماضي٢، وأيضًا فإن كثيرًا من الأفعال مشتق من الحروف نحو قولهم: سألتك حاجة فلوليت لي, أي: قلت لي: لولا، وسألتك حاجة فلا ليت لي, أي: قلت لي: لا. واشتقوا أيضًا المصدر -وهو اسم- من الحرف, فقالوا: اللالاة واللولاة, وإن كان الحرف متأخرًا في الرتبة عن الأصلين قبله: الاسم والفعل. وكذلك قالوا: سوَّفت الرجل, أي: قلت له: سوف, وهذا فعل -كما ترى- مأخوذ من الحرف. ومن أبيات الكتاب ٣:

لو ساوفتنا بسوفٍ من تحيّتها ... سوف العيوف لراح الركب قد قنع٤

انتصب "سوف العيوف" على المصدر المحذوف الزيادة، أي: مساوفة العيوف.


١ كذا في الأصول. والأقرب: "قاوم فهو مقاوم".
٢ كذا في أ، ج. وفي ش، ب، د، هـ: "اشتق" وهو تحريف.
٣ انظر الكتاب ٢/ ٣٠١.
٤ "ساوفتنا" في ج: "سوفتنا". "لراح" كذا في أ، ج. وفي ش، ب، "لكان". "قنع" كذا في أ. وكتب فوق العين: "هو"، وفي ب، ج، ش: "قنعوا". وما أثبت موافق لما في الكتاب، فقد جاء به في أبيات أخر شاهدًا لطريقة لهم في إشاد القوافي، يحذفون الواو والياء اللتين هما علامة المضمر، قال سيبويه بعد البيت: "يريد قنعوا" ولهذا الغرض أثبت في أفوق هذا "عوًا"، ومعنى "ساوفتنا": واعدتنا بسوف أفعل، والعيوف: الكاره والكارهة، يقول: لو وعدتنا بتحية في المستقبل لقنعنا، وإن كانت عازمة على المطل إذ كانت كارهة لذلك. والبيت في اللسان "سوف"، وفيه عزوه لابن مقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>