للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العطر، وقطّان من القطن، بل حيّة من لفظ "ح ي ي " من مضاعف الياء، وحوّاء من تركيب "ح وى " كشواء وطواء. ويدل على أن الحية من مضاعف الياء ما حكاه صاحب الكتاب١ من قولهم في الإضافة إلى حيَّة بن بهدلة: حَيَويّ. فظهور الياء عينًا في حيوي قد علمنا منه كون العين ياء، وإذا كانت العين ياء واللام معتلة, فالكلمة من مضاعف الياء البتة, ألا ترى أنه ليس في كلامهم نحو حيوت. وهذا واضح. ولولا هذه الحكاية لوجب أن تكون الحية والحواء من لفظ٢ واحد؛ لضربين من القياس: أما أحدهما فلأن فعالًا في المعاناة٣ إنما يأتي من لفظ المعاني٣؛ نحو عطّار من العطر, وعصَّاب من العصب. وأما الآخر فلأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان, ألا ترى أن باب طويت وشويت أكثر من باب حييت وعييت. وإذ كان الأمر كذلك علمت قوة السماع وغلبته للقياس, ألا ترى أن سماعًا واحدًا غلب قياسين اثنين.

نعم, وقد يعرض هذا التداخل في صنعة الشاعر فيرى أو يُرِي أنه قد جنَّس٤ وليس في الحقيقة تجنيسًا وذلك كقول القطامي:

مستحقبين فؤادًا ما له فاد٥


١ انظر الكتاب ٢/ ٧٢. وحية بن بهدلة قبيلة عربية.
٢ يريد من لفظ الحوّاء، وهو مادة حويت.
٣ كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "المعاباة ... المعابا"، والمعاناة الشيء: معالجته وملابسته ومباشرته، وترادف هنا النسب.
٤ كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "جانس".
٥ صدره:
كنية الحي من ذي الغيضة احتملوا
وهو من قصيدته التي مطلعها:
ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقضي بواقي دينها الطادي
يقول فيها:
ما للكواعب ودَّعن الحياة كما ... ودعنني واتخذن الشيب ميعادي
ثم يقول: كنية الحي....، وكنية الحي: بعده وتحوله عن منتجعه إلى آخر، يقول: ودعنني وبعدن عني كبعد هذا الحي إذ احتملوا من ذي الغيضة، وهو موضع، ويقول: إنهم استحقبوا معهم واحتملوا أسيرًا لا فداء له على الأسر، يعني نفسه وقع أسيرًا لمن سلبت فؤاده من الحي.

<<  <  ج: ص:  >  >>