للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرّبوا كل جُمَّاليٍّ عضه ... قريبةٍ ندوته من محمضه١

وقد ذكرنا حاله, وشرحنا الغرض فيه في باب متقدِّم, فلا وجه لإعادته ههنا.

وسبب تمكّن هذه الفروع عندي أنها في حال استعمالها على فرعيتها تأتي مأتى الأصل الحقيقي لا الفرع التشبيهي, وذلك قولهم: أنت الأسد, وكفُّك البحر, فهذا لفظه لفظ الحقيقة, ومعناه: المجاز والاتساع, ألا ترى أنه إنما يريد: أنت٢ كالأسد، وكفُّك مثل البحر, وعليه جاء قوله:

ليلى قضيب تحته كثيب٣

وإنما يريد: نصف ليلى الأعلى كالقضيب, وتحته ردف مثل الكثيب, وقول طرفة:

جازت القوم إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفورٍ خدر٤

أي: بشخص أو بإنسان مثل اليعفور, وهو واسع كثير. فلمَّا كثر استعمالهم إياه وهو مجاز استعمال الحقيقة, واستمرَّ واتلأبَّ, وتجاوزوا به ذاك إلى أن أصاروه كأنه هو الأصل والحقيقة, فعادوا فاستعاروا معناه لأصله فقال:

ورمل كأوراك العذارى..


١ انظر ص٣٠٤ من الجزء الأول.
٢ كذا في أ، ب. وفي ش: "أنه".
٣ انظر ص٣٠١ من الجزء الأول.
٤ هذا البيت من قصيدته التي أولها:
أصوت اليوم أم شاقتك هرّ ... ومن الحب جنون مستعر
وقوله: "القوم" يُروى "البيد", وقوله: "جازت" يعنى: خيالها، وأنَّثَه لأنه كأنه هي، والخبر عنه خبر عنها. إنما قال: "آخر الليل"؛ لأن التعريس, أي: النزول وقطع السير يكون آخر الليل، وعند التعريس والنوم يأتيه خيالها. واليعفور: ظبي تعلوه حمرة. والحدر: الفاتر العظام البطيء عند القيام. يقول: قطعت البيد لينًا بمثل ظبي ملاحته وحسنه. وإنما عناها نفسها، وهذا من باب التجربة, وانظر شرح الشنتمري لديوان طرفة المطبوع في أوربا.

<<  <  ج: ص:  >  >>