للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودع هذا كله, ألم تسمع إلى ما جاءوا به من الأسماء المستفهم بها, والأسماء المشروط بها كيف أغنى الحرف الواحد عن الكلام الكثير المتناهي في الأبعاد والطول فمن ذلك قولك: كم مالك ألا ترى أنه قد أغناك ذلك عن قولك: أعشرة مالك أم عشرون أم ثلاثون أم مائة أم ألف فلو ذهبت تستوعب الأعداد لم تبلغ ذلك أبدًا لأنه غير متناه فلما قلت: " كم " أغنتك هذه اللفظة الواحدة عن تلك الإطالة غير المحاط بآخرها ولا المستدركة. وكذلك أين بيتك؛ قد أغنتك "أين " عن ذكر الأماكن كلها. وكذلك من عندك قد أغناك هذا عن ذكر الناس كلهم. وكذلك متى تقوم قد غنيت بذلك عن ذكر الأزمنة على بعدها. وعلى هذا بقية الأسماء من نحو: كيف وأي وأيان وأنى. وكذلك الشرط في قولك: من يقم أقم معه فقد كفاك ذلك من ذكر جميع الناس ولولا هو لاحتجت أن تقول: إن يقم زيد أو عمرو أو جعفر أو قاسم ونحو ذلك, ثم تقف حسيرًا مبهورًا ولما١ تجد إلى غرضك سبيلًا. وكذلك بقية أسماء العموم في غير الإيجاب: نحو أحد وديار وكتيع وأرم وبقية الباب. فإذا قلت: هل عندك أحد أغناك ذلك عن أن تقول: هل عندك زيد أو عمرو أو جعفر, أو سعيد أو صالح فتطيل ثم تقصر إقصار المعترف الكليل وهذا وغيره أظهر أمرًا وأبدى صفحة وعنوانًا. فجميع ما مضى وما نحن بسبيله مما أحضرناه, أو نبهنا عليه فتركناه شاهد بإيثار القوم قوة إيجازهم وحذف فضول كلامهم. هذا مع أنهم في بعض الأحوال قد يمكنون ويحتاطون وينحطون في الشق٢ الذي


١ كذا في أ. وفي ش وب: "لم".
٢ في ج: "الشيء". وقوله: "ينحطون في الشق الذي يؤمون" أي يجتهدون فيه ويبذلون فيه وسعهم؛ من قولهم: انحطت الناقة في سيرها: أسرعت، وانحط في هوى فلان: سارع إلى إرضائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>