للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤمون, وذلك في التوكيد نحو جاء القوم أجمعون, أكتعون, أبصعون, أبتعون١؛ وقد قال جرير:

تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا٢

فزاد الزاد في آخر البيت توكيدًا لا غير.

وقيل لأبي عمرو: أكانت العرب تطيل؟ فقال: نعم لتبلغ ٣. قيل: أفكانت توجز؟ قال: نعم ليحفظ٤ عنها.

واعلم أن العرب -مع ما ذكرنا- إلى الإيجاز أميل, وعن الإكثار أبعد. ألا ترى أنها في حال إطالتها وتكريرها مؤذنة باستكراه تلك الحال وملالها, ودالة على أنها إنما تجشمتها لما عناها هناك وأهمها؛ فجعلوا تحمل ما في ذلك على العلم بقوة الكلفة فيه دليلا على إحكام الأمر فيما هم عليه.

ووجه ما ذكرناه من ملالتها الإطالة -مع مجيئها بها للضرورة الداعية إليها- أنهم لما أكدوا فقالوا: أجمعون, أكتعون, أبصعون, أبتعون, لم يعيدوا أجمعون البتة فيكرروها فيقولوا: أجمعون, أجمعون, أجمعون, أجمعون, فعدلوا عن إعادة جميع الحروف إلى البعض تحاميًا -مع الإطالة- لتكرير الحروف كلها.

فإن قيل: فلم اقتصروا على إعادة العين وحدها, دون سائر حروف الكلمة قيل: لأنها أقوى في السجعة من الحرفين اللذين قبلها وذلك أنها لام فهي قافية لأنها آخر حروف الأصل فجيء بها؛ لأنها مقطع الأصول والعمل في المبالغة والتكرير إنما هو على المقطع لا على المبدأ, ولا المحشى ٤.


١ كذا في أ. وفي ش، ب، ج سقط هذا اللفظ.
٢ من قصيدة له في مدح عمر بن عبد العزيز. وانظر الخزانة ٤/ ١١٠ والديوان ١/ ٥٣.
٣ كذا في ج. وفي أ: "لتبليغ"، وكتب فوقه "لتؤكد" ويبدو أن هذا تفسير لتبلغ أو إشارة لنسخة أخرى. وفي ش، ب: "لتؤكد".
٤ في ش: "ليخفف".
٥ "المحشى": مكان الحشو. ويراد به وسط الكلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>