للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أن العناية في الشعر إنما هي بالقوافي لأنها المقاطع وفي السجع كمثل ذلك. نعم, وآخر السجعة والقافية أشرف عندهم من أولها والعناية بها أمس والحشد عليها أوفى وأهم. وكذلك كلما تطرف الحرف في القافية ازدادوا عناية به ومحافظة على حكمه.

ألا تعلم كيف استجاوزا الجمع بين الياء والواو ردفين نحو: سعيد, وعمود. وكيف استكرهوا اجتماعهما وصلين نحو قوله: "الغراب١ الأسودو" مع قوله أو "مغتدى" ١ وقوله في "غدى "١ وبقية قوافيها وعلة جواز اختلاف الردف وقبح اختلاف الوصل هو حديث التقدم والتأخر لا غير. وقد أحكمنا هذا الموضع في كتابنا المعرب -وهو تفسير قوافي أبي الحسن- بما أغنى عن إعادته هنا. فلذلك جاءوا لما كرهوا إعادة جميع حروف أجمعين بقافيتها؛ وهي العين لأنها أشهر حروفها إذ كانت مقطعًا لها. فأما الواو والنون فزائدتان لا يعتدان٢ لحذفهما في أجمع وجمع وأيضًا فلأن الواو قد تترك فيه إلى الياء، نحو أجمعون وأجمعين. وأيضا لثبات النون وحذفها أخرى، في غير هذا الموضع، فلذلك لم يعتدا مقطعا.


١ من قصيدة النابغة التي أولها:
أمن آل مية رائح أو مغند ... عجلان ذا زاد وغير مزود
ويقوله فيها:
زعم البوارح أن رحلتنا غدا ... وبذاك خبرنا الغراب الأسود
لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبة في غد
٢ كذا في أ. وفي ش، ب: "لا يعتد بحذفهما" وهذا غير ظاهر المعنى، وما أثبته هو الصحيح، ويقرأ يعتدان بالبناء للمفعول، أي لا يحسبان؛ يقال: عده واعتده في معنى واحد. ويقرأ أيضًا بالبناء للفاعل؛ يقال: عده فاعتد. وفي ج: "ولم يعتدوا بالواو والنون لزيادتهما وسقوطهما في أجمع وجمع" وهي ظاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>