للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قوله ١:

لن تراها ولو تأمَّلت إلّا ... ولها في مفارق الرأس طيبا

وهذا هو الغريب من هذه الأبيات, ولعمري إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متصل بها, ففي ذلك شيئان:

أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب في مفارقها، اللهمَّ إلا أن تكون٢ حاسرة غير مقنعة, وهذه بذلة وتطرح لا توصف به الخفرات ولا المعشقات٣, ألا ترى إلى قول كثير:

وإني لأسمو بالوصال إلى التي ... يكون سناء وصلها وازديارها٤

ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولدة؛ قال الطائي:

عالي الهوى مما يعذِّب مهجتي ... أروية الشعف التي لم تسهل٥

وهي٦ طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدَّر لنصب الطيب مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها, فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيبًا, غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغي أن يكون أراد ٧: ما تدل عليه الرؤية من الفعل الذي قدرناه.


١ أي: ابن الرقيَّات. وانظر الكتاب ١/ ١٤٤, وشواهد المغني للبغدادي ٢/ ٩٢٩.
٢ كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يكون".
٣ كذا. وقد يكون: "المتعشفات".
٤ في الديوان ١/ ٩٢: "شفاء" في مكان "سناء".
٥ من قصيدة له في مدح محمد بن حسان. والأروية: أنثى الوعول، والشعف رءوس الجبال، كنَّى بالأورية عن المرأة المتمنعة.
٦ كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هو". وفي ط: "هذا".
٧ كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "أراد على". وفي ش: "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>