للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنطوق بها وصورتها "في النفس"١؛ لعجزهم عن ذلك. وإنما يأتون بأصوات فيها الشبه اليسير من حروفنا٢؛ فلا يستحق لذلك أن تكون٣ كلامًا، ولا أن يكون الناطق بها متكلمًا, كما أن الذي يصور الحيوان تجسيمًا أو ترقيمًا لا يسمَّى خالقًا للحيوان, وإنما يقال مصور وحاكٍ ومشبِّه. وأما القديم سبحانه فإنه قادر على إحداث الكلام على صورته الحقيقية وأصواته الحيوانية في الشجرة والهواء وما أحب سبحانه وشاء. فهذا فرق.

فإن قلت: فقد أحال سيبويه٤ قولنا: أشرب ماء البحر, وهذا منه حظر للمجاز الذي أنت مدَّع شياعه وانتشاره.

قيل: إنما أحال ذلك على أن المتكلم يريد به الحقيقة, وهذا٥ مستقيم إذ٦ الإنسان الواحد لا يشرب جميع ماء البحر, فأما إن أراد به بضعه ثم أطلق هناك اللفظ يريد به جميعه, فلا محالة من جوازه, ألا ترى إلى "قول الأسود٧ بن يعفر":

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد٨

"فلم يحصل"٩ هنا جميعه؛ لأنه قد يمكن أن يكون بعض مائه مختلجًا قبل وصوله إلى أرضهم "بشرب١٠ أو بسقي" زرع ونحوه, فسيبويه إذًا إنما وضع هذه اللفظة


١ سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط.
٢ كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حروفها".
٣ كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون".
٤ انظر الكتاب ١/ ٨. وعبارته: "وأما المحال الكذب, فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس.
٥ أي: الحكم بإحالة شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة مستقيم وقد يكون الأصل: "وهذا غير مستقيم" أي: شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة.
٦ في ط: "لأن".
٧ كذا في ز. وفي ش، ط: "قوله".
٨ من قصيدة مفضلية. وأنقرة هنا موضع بالحيرة، وهي غير أنقرة التي في بلاد الروم، والتي هي الآن قصبة الدولة التركية. والأطواد: الجبال.
٩ في ط: "وإن لم يحصل".
١٠ كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شرب أو لسقيا".

<<  <  ج: ص:  >  >>