للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله سبحانه {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . ويجوز عندي أيضًا أن يكون جمع أجمع على حذف الزيادة وعليه حمل أبو عبيدة قول الله تعالى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أنه جمع أشد, على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على حذف هذه الزيادة في الواحد, وأنشد بيت عنترة ١:

عهدي به شد النهار ...

أي أشد النهار, ويعني أعلاه وأمتعه وذهب سيبويه في أشد هذه إلى أنها جمع شدة كنعمة وأنعم. وذهب أبو عثمان٢ فيما رويناه عن أحمد٢ بن يحيى عنه إلى أنه جمع لا واحد له.

ثم لنعد فنقول: إنهم إذا كانوا في حال إكثارهم وتوكيدهم مستوحشين منه مصانعين٣ عنه علم أنهم إلى الإيجاز أميل, وبه أعنى وفيه أرغب؛ ألا ترى إلى ما في القرآن وفصيح الكلام: من كثرة الحذوف كحذف المضاف وحذف الموصوف والاكتفاء بالقليل من الكثير كالواحد من الجماعة وكالتلويح من التصريح. فهذا ونحوه -مما يطول إيراده وشرحه- مما يزيل الشك عنك في رغبتهم فيما خف وأوجز عما طال وأملّ, وأنهم متى اضطروا إلى الإطالة لداعي حاجة أبانوا عن ثقلها عليهم, واعتدوا بما كلفوه من ذلك أنفسهم وجعلوه كالمنبهة على فرط عنايتهم وتمكن الموضع عندهم, وأنه ليس كغيره مما ليست له حرمته ولا النفس معنية به.


١ في المعلقة، وتتمته:
... ... ... كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم
٢ أبو عثمان المازني، كانت وفاته سنة ٢٤٩هـ وأحمد بن يحيى ثعلب وكانت وفاته ٢٩١، ويقضي هذا النص أن ثعلبًا أخذ عن المازني. وجاء في سر الصناعة في حرف الباء: "أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى، قال: قال أبو عثمان يعني المازني ... ", وأحمد بن يحيى الذي يروي عنه محمد بن الحسن هو ثعلب بلا ريب.
٣ المصانعة: المداراة. وقد ضمن "مصانعين" معنى النفور والبعد فعداه بعن.

<<  <  ج: ص:  >  >>