للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم, ولو لم يكن في الإطالة في بعض الأحوال إلا الخروج إليها عما قد ألف ومل من الإيجاز لكان مقنعًا.

ألا ترى إلى كثرة غلبة الياء على الواو في عام الحال ثم مع هذا فقد ملوا ذلك إلى أن قلبوا الياء واوًا قلبًا ساذجًا أو كالساذج لا لشيء أكثر من الانتقال من حال إلى حال فإن المحبوب إذا كثر مُلّ, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ١: "يا أبا هريرة زر غبًّا تزدد حبًّا" , والطريق في هذا بحمد الله واضحة مهيع. وذلك الموضع الذي قلبت فيه الياء واوًا على ما ذكرنا لام فَعْلى إذا كانت اسمًا من نحو: الفتوى والرعوى٢ والثنوى٢ والبقوى٢ والتقوى والشروى٢ والعوى "لهذا النجم ". وعلى ذلك أو قريب منه قالوا: عوى الكلب عوة. وقالوا: الفتُوّة وهي من الياء وكذلك النَّدُوّة٣. وقالوا: هذا أمر ممضُوّ عليه وهي المضواء٤, وإنما هي من مضيت لا غير.

وقد جاء عنهم: رجل مهوب وبُرّ مكول٥ ورجل مسور به٦. فقياس هذا كله على قول الخليل أن يكون مما قلبت فيه الياء واوًا؛ لأنه يعتقد أن المحذوف من هذا ونحوه إنما هو واو مفعول لا عينه وأنسه بذلك قولهم: قد هوب, وسور به وكول.

واعلم أنا -مع ما شرحنا وعنينا به فأوضحناه من ترجيح علل النحو على علل الفقه, وإلحاقها بعلل الكلام- لا ندعي أنها تبلغ قدر علل المتكلمين ولا عليها


١ رواه الطبراني وغيره. وله أسانيد حسان، انظر شرح الجامع الصغير، وقوله: "غبًّا" أي وقتا بعد وقت، وانتصابه على الظرف، وانتصاب "حبًّا" على التمييز والتفسير، وانظر البلوي ١٥١/ ٢.
٢ الرعوى: بمعنى المراعاة والحفظ. والثنوي: اسم من الاستثناء، والبقوى: اسم بمعنى الإبقاء، والشروى: المثل. وقد جعل المؤلف الإبدال في هذا الباب ساذجا أو كالساذج وإن كان للفرق بين الاسم والصفة لما كان غير مبني على الاستثقال والاستخفاف الذي هو الأصل في حديث الإعلال.
٣ من الندى، وهو ما يسقط بالليل من البلل.
٤ المضواء "بضم الميم": التقدم.
٥ هذه لغة بني أسد. ومكول مفعول من الكيل.
٦ رجل مسور به. وكذا طريق مسور فيه، وهما من السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>