للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرغبات والمنافع، ويقول الشيخ شلتوت١: "ولما كان البيت الحرام في مكان مخصوص لا يدركه كل مظلوم ولا كل الناس, ولا ينال حظه من الأمن فيه إلا من ارتحل إليه، ولم يكن من الممكن أن يرتحل إليه جميع سكان المعمورة في وقت واحد، لهذا جعل الأشهر الحرم ملجأ أمن عام، تنشر على الناس, وهم في أقاليمهم وأقطارهم ألوية الأمن والاطمئنان، ويدخلون بها في هدنة الرحمن الرحيم، فقرر كذلك في القلوب حرمتها، فيها تكون السيوف في أغمادها، وتتجه القلوب إلى ربها، وفيها يتضاعف الجزاء لمن أحسن أو أساء وفي ذلك يقول تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} . إذا آمن الإنسان بهذه الهدنة الإلهية، وانفعلت نفسه بشرائع ربه، وعالج نفسه في ظلها وهي أربعة أشهر من اثني عشر شهرا صار ولا شك إلى فسحة وراحة واتسع أمامه مجال العمل والسياحة، واستطاع الاتصال بإخوانه بني الإنسان، وكان معهم في أمن واطمئنان، متعاونين على البر والتقوى عزوفين عن الإثم والعدوان.

لذلك كان الحج عبارة عن مؤتمر دوري ينعقد في كل عام تحت راية من السلام والمحبة, يناقش أحوال المسلمين في كل أنحاء العالم، ويقربهم من بعضهم، ويجعلهم على بينة من أمورهم. مهما باعدت بينهم الأقطار واختلفت بهم الدروب والأمصار، وهو بذلك يحقق هدفا ساميا من أهداف المجتمع الإسلامي، الذي يقوم أول ما يقوم على التعاون والتراحم والتواد، ولا يكون ذلك أبدا إلا إذا توافر الأمن والسلام بين الناس والله تعالى يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ٢.


١ الإسلام عقيدة وشريعة ص١٣٨.
٢ الآية ٣٦ من سورة التوبة.

<<  <   >  >>