للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثاني الأركان الطواف بالبيت:

وهو يمثل في شكله ووقته عمق التربية الإسلامية، حيث يلتزم الحاج بمجرد وصوله إلى مكة إلى أرض الله الطيبة أن يطوف بالبيت طواف القدوم, فإذا أفاض من عرفات وأكرمه الله بمناجاته على جبل الرحمة طاف طواف الإفاضة، حتى إذا اكتمل حجة وتمتع بأيام الله, وأراد الرحيل طاف طواف الوداع. ومع كل طواف يغتسل ويطهر بدنه وثيابه ويستر عورته ويتوضأ، وهذه الأفعال في جملتها إنما تربي في الإنسان أدب اللقاء والوداع، وتعلمه كيف يتعامل مع الآخرين وهو نظيف القلب والروح والبدن، وتنقله من حالة الغافلين إلى دائرة الذاكرين الشاكرين.

وبعد الطواف يكون السعي بين الصفا والمروة:

ذلك السعي الذي يمثل في تاريخ الإنسان قصة الصبر والتضحية والفداء والذي يتذكر المرء به قدرة ربه، وأنه وحده مالك أمره فيأتيه باليسر بعد العسر وبالفرح بعد الضيق، وأن رحمة الله قريب من المتقين ولا عجب في ذلك؛ لأن قصة السعي تمثلها تماما، فهاجر أم اسماعيل حين أنجبته ملأت الغيرة قلب سيدتها سارة التي سعت لأن يتزوجها إبراهيم وهي جاريتها لعلها تنجب له ما يؤنس وحدته. ولكنها حين حملت وولدت، عادت طبيعتها الأنثوية إليها تنفث سموم الحقد والبغضاء على أم الوليد الذي سوف يأخذ حب زوجها منها، وأصرت على أن يبعدها إبراهيم مع ولدها إلى حيث لا تراهما ولا تسمع بهما, وتقبل إبراهيم عليه السلام الأمر صابرا محتسبا إلى الله موقفه فألهمه الله أن يذهب بهما إلى هذا المكان المقدس، على الرغم من أنه كان صحراء جرداء لا ماء فيها ولا غذاء ولا إنسان ولا ديار، لتكون آية من آياته، وليعمر

<<  <   >  >>