للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكأنه يشاهد الحياتين معا, ولنقرأ معا تعبيره عن مظاهر رحمة الله وتقديره للعلم وأهله في قوله -صلى الله عليه وسلم: "من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة, وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ١.

فالحديث يبين أن الإسلام يعنى بتعليم أبنائه وتعويدهم على التعاون, وبذل ما يستطيعون من المعونات للآخرين، صغرت هذه المعونات أو كبرت, ويحثهم على العلم والجهاد في سبيله؛ لأن في ذلك كشف لقدرات الله وعظمة مخلوقاته. وهي تربية جهلها المسلمون حقبة طويلة من الزمان, مما أدى إلى تأخرهم وتراجعهم عن ركب التقدم والانطلاق في معرفة أسرار الكون وخفاياه، مع أن القرآن الكريم الذي يضم بين دفتيه "٦٢٣٦" آية٢ حث على العلم والعمل في سبيله في ثلاث وستين وسبعمائة آية منها٣ وهو مقدار كبير إذا ما قورن بالقضايا المتعددة التي شملها القرآن الكريم في التشريع والآداب والسلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة, وذكر الجنة والنار والحساب وغير ذلك، وليس بين الكتب السماوية الأخرى ما حفل بالعلم وأهله عشر معشار ما حفل به القرآن الكريم، ولكن الجهل الذي خيم على المسلمين أجيالا طويلة وقف حائلا بينهم وبين إدراك هذه


١ انظر صحيح مسلم جـ٤ ص٢٠٧٤ طبع دار إحياء التراث العربي بيروت ١٩٧٢, وصحيح البخاري المجلد الرابع الجزء الثامن ص٧١ المكتبة التجاربة بدون تاريخ.
٢ الدليل الكامل لآيات القرآن الكريم، إعداد د. حسين محمد فهمي الشافعي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر ١٩٧٢م.
٣ دستور الأخلاق في القرآن الكريم د. محمد عبد الله دراز ص٥. دار البحوث العلمية - الكويت ١٣٩٣هـ ١٩٧٣م.

<<  <   >  >>