للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي ليست ثابتة من حوله، وفي المنهج الرباني الموضوع لهذا الإنسان ذات الخصائص، بحكم أنه صادر من المصدر الذي صدر منه الإنسان، ومودع خصائصه ذاتها، ومعد للعمل معه إلى آخر الزمان, في البيئة الزراعية والصناعية، العلمية وغير العلمية التي تبحث عن الحقيقة والتي تفلسفها، الغنية والفقيرة، الجاهلة والعاملة, لهذا يستطيع هذا المنهج وتستطيع نصوصه من القرآن والحديث أن تلتقط الفرد الإنساني، وأن تلتقط المجموعة الإنسانية من أي مستوى ومن أية درجة من درجات المرتقى الصاعد، فتنتهى به وبها إلى القمة السامية، أنه لا يرده ولا يردها أبدا إلى الوراء ولا يهبط به أو بها أبدا إلى درجة أسفل في المرتقى، كما أنه لا يضيق به ولا بها ولا يعجز عن رفعه ورفعها أيا كان مكانه أو مكانها من السفح السحيق. المجتمع البدائي المتخلف كالمجتمع العربي في الجاهلية القديمة والمجتمع الصناعي المتحضر، كالمجتمع الشيوعي والأوروبي والأمريكي في الجاهلية الحديثة، كلاهما يجد في المنهج الرباني والنصوص القرآنية مكانه، ويجد من يأخذ بيده من هذا المكان، فيرقى به في المرتقى الصاعد، إلى القمة الساحقة، التي حققها الإسلام في فترة حية من فترات التاريخ الإنساني.

إن الجاهلية ليست فترة ماضية من فترات التاريخ, إنما الجاهلية كل منهج تتمثل فيه عبودية البشر للبشر. وهذه الخاصية تتمثل اليوم في كل مناهج الأرض بلا استثناء ففي كل المناهج التي تعتنقها البشرية اليوم، يأخذ البشر عن بشر مثلهم: التصورات والمبادئ والموازين والقيم، والشرائع والقوانين، والأوضاع والتقاليد, هذه هي الجاهلية بكل مقوماتها، الجاهلية التي تتمثل فيها عبودية البشر للبشر، حيث يعبد بعضهم بعضا من دون الله.

والإسلام هو منهج الحياة الوحيد، الذي يتحرر فيه البشر من عبودية البشر؛ لأنهم يتلقون التصورات والمبادئ، والموازين والقيم، والشرائع والقوانين والأوضاع والتقاليد، من يد الله -سبحانه- فإذا أحنوا رءوسهم فإنما يحنونها لله وحده، وإذا أطاعوا الشرائع فإنما يطيعون الله وحده، وإذا خضعوا للنظام

<<  <   >  >>