للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنما يخضعون لله وحده, ومن ثم يتحررون حقا من عبودية العبيد للعبيد، حين يصبحون كلهم عبيدا لله بلا شريك، وهذا هو مفترق الطريق بين الجاهلية -في كل صورة من صورها- وبين الإسلام١, والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به، ولا يزيغ عنه" ٢ ويقول: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي" ٣.

وقد علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه والمسلمين في ربوع دولته كيفية التعامل مع الأفكار والآراء والمواقف التي تعرض لهم، وناقش معهم أبسط الأمور وأعقدها. واتخذ من نفسه مثلا للقضايا التي تخالف طباع الغرب وأهواءهم حتى يقضي على كل خلاف فيها, وكان أسلوب الحوار والاستنتاج أحد الأساليب التي اتبعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتعليم من حوله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى, ولكني سأحول عرض بعضها فيما يتصل بأمور وقضايا مختلفة.

روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن قال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء"؟ قال: أقضى بما في كتاب الله قال: "فإن لم يكن في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسوله الله, قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله"؟ قال: أجتهد رأيي لا ألو. قال معاذ: فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدري وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" ٤.


١ انظر في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب جـ١ ص١٥-١٨، ٥٥٥-٥٥٧ طبع دار الشروق بيروت سنة ١٣٩٣هـ-١٩٧٣م.
٢ صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة جـ٩ ص١٢٢ كتاب الشعب سنة ١٣٧٩هـ.
٣ جامع بيان العلم "لابن عبد البر" ٢/ ١٨٠ القاهرة، إدارة الطباعة النيرة.
٤ انظر إعلام الموقعين جـ١ ص٢٤٣.

<<  <   >  >>