للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"١.

فأما الموقف الأول فالحوار فيه يتعلق بأخطر القضايا التي يمكن أن يواجهها إنسان أسندت إليه مسئولية الحكم بين الناس والقضاء بينهم، وقد حرص فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أن يبين أن الأمر لله ولرسوله، وأن العقل الإنساني له دور خطير في الاستنتاج واستخلاص الأحكام، وأن الاجتهاد باب مفتوح يلجه القادرون من علماء الإسلام المخلصين، وعلى الأمة اتباع آرائهم والأخذ بما توصلوا إليه من أحكام وقضايا, وإن كانت غير واردة بالنص الصريح في القرآن والسنة، وأما الموقف الثاني فقد جاء مؤيدا للموقف الأول وزاد عليه توضيح الرسول -صلى الله عليه وسلم- للناس، كيف -وهو الملتقي عن ربه- أصدر أحكاما ليست بالنص الصريح في كتاب الله, والناس مطالبون باتباعها والعمل بها، فليس الأمر في قضايا الإسلام والمسلمين تحجرا وتعصبا، وإنما هو بحث وفكر واجتهاد، وكل ما يجب الالتزام به ألا يخرج هذا البحث أو ذاك الاجتهاد على نص صريح من نصوص كتاب الله وسنة رسوله, وكان التزام المسلمين بذلك في عصر صدر الإسلام التزاما مبدعا خلاقا، أدى إلى بروز جماعات علمية لم يعرف العالم لها نظيرا في أي عصر من العصور, وفي أي أمة من الأمم، حتى أخذت البشرية كلها تنهل من هذا الفيض قرونا متعددة، وأصبحت الفلسفات اليونانية والرومانية والهندية والفارسية التي كانت سائدة قبل الإسلام،


١ انظر تفسير القرطبي جـ١ ص٣٧، ٣٨.

<<  <   >  >>