للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حساب أحد والديه. ولقد دلنا علم النفس التحليلي على أن الطفل يغار من أمه وأبيه. من أخته وأخيه ومن الطفل الضيف فهو يطالب بحقه من المحبة والعناية والرعاية, ويحرص على أن ينالها كاملة غير منقوصة. ولقد ثبت أن الكثير من تصرفات الطفل المرضية التي تبدو وكأنها مردودة إلى أسباب جسدية، إنما أصلها في الواقع نفسي ويعود بالذات إلى غيرة الطفل. إلى شعوره بالإهمال, إلى افتقاده للمحبة. وميل بعضهم إلى العناد، والبكاء، والغضب والتخريب يرجع إلى حاجتهم للمحبة وشعورهم بافتقادها. ولا شك أن الجو العائلي وما يكتنفه من نوعية العلاقات كاضطراب الجوالبيتي. أو اضطراب علاقات الأب بالأم أو العكس، أو اضطراب علاقات الأخوة، أو اضطراب علاقات الأسرة بغيرها من الأسر. له علاقة كبيرة بجنوح الأطفال وتمردهم، كما أن افتقاد الطفل للمحبة يدفعه إلى الخروج على مجتمعه وميله إلى الانتقام منه. وليس هناك شيء يجعل الطفل مستقيم الطبع معتدلا في انفعالاته ورغباته، كانتظام الأسرة ورعايته بالمحبة والعطف١.

وعلينا أن نعلم أن الطفل يعتمد في كل شيء على مجتمعه، سواء كان مجتمع الأسرة أو المجال المحيط به، وأنه في حاجة إلى من يعينه على التمييز بين الخير والشر بين الصحيح والخطأ، بين الأخلاقي وغير الأخلاقي ويبين له ما يسمح به الدين والعادات والتقاليد وما تنهى عنه. إنه محتاج إلى تكوين شخصيته وتهذيب طباعه وبناء ذاته بناء يمكنه من أن يميز هو نفسه بين ما يجوز وما لا يجوز. وأن يقرر هو نفسه واجباته ويعرف حقوقه ويتصرف بوحي من ضميره. أي: يستطيع التحرر من معونة الآخرين. وهذا ما يمكن أن نسميه بالتربية الاستقلالية. التي تجعل من الطفل في مستقبل أيامه إنسانا قادرا


١ انظر معالم التربية من ص٥٣ إلى ص٨٢ للدكتور فاخر عاقل.

<<  <   >  >>