البصرة إلى مصر لغير حاجة ولا لضرورة إلا لتلى دماء المسلمين وأموالهم وفروج نسائهم، لله علىّ لا عدت إليك بعد هذا اليوم ولا كلمتك أبدًا، ثم انصرف عنه ولم يعد إليه.
وكان أحمد بن طولون صاحب مصر يعظم بكارًا ويحترمه ويحصر مجالسه ويسمع عليه إلى أن طلب منه لعنة الموفق، فامتنع فحبسه، وكان المعتمد قد تخيل من أخيه الموفق بعد أن عهد إليه بالخلافة، فكاتب فيه أحمد بن طولون بمصر فاتفقا عليه، فجمع ابن طولون القضاة والأعيان، وطلب خلعه فخلعوه، إلا القاضى بكار، فقال: أوردت علىّ كتاب المعتمد بولايته، فأورد علىّ كتابًا آخر بخلعه، فقال له: غرك كلام الناس فيك: ما فى الدنيا مثل بكار، أنت شيخ قد خرفت، وأنا أحبسك حتى يرد كتابه بإطلاقك، فقيده وحبسه.
وذكر فى تاريخ قضاة مصر أنه لما حكم الخليفة الموفق فى الأقاليم، بعث إلى أحمد بن طولون: احمل إلى ما عندك من المال، فأبى، فأمر الموفق بسب أحمد على المنابر بعد الخطاب، فوصل ذلك أحمد، فخرج أحمد فى مائة ألف أو يزيدون، فلما قدم بعض ما أراد من البلاد أحضر القضاة، ثم أحضر بكار بن قتيبة من مصر، وقال له: أسجل على نفسك أن الموفق خارجى، فقال: لم يثبت عندى ذلك، فقال له: عد إلى بلدك، يعنى مصر، فأعاد إليها، فلما رجع قال له: من يشهد لك إن الخليفة ولاك، وسجنه واشتغل ببناء الميدان، وخرب قبور اليهود والنصارى.
وقيل: إنه لما ألح عليه أن يلعن على الموفق، قال: ألا لعنة الله على الظالمين، ويقال: لما خرج أحمد بعسكره ووصل إلى دمشق، وذلك فى سنة سبع وستين ومائتين جمع فقهاء الأمصار وقضاتها، فاجتمعوا، وكان فى جملة القدماء القاضى بكار، فقال لهم أحمد: إن الموفق خلع طاعة أخيه المعتمد، وقال ولى عهده، فأفتى الفقهاء بخلع الموفق من ولاية المعتمد، فتوقف بكار، وقال مثل ما قلنا الآن، فقيده أحمد، وسيره إلى مصر، وأمر بحبسه، ولما حبسه كان يغتسل فى كل جمعة، ويتطيب، ويلبس ثيابه، ويأتى إلى باب السجن، فيقول له السجان: إلى أين؟ فيقول: قد نادانى منادى ربى، وأنا أول من أجابه، فيقول له السجان: اعذرنى، فما أقدر على ذلك، ويعزُّ علىَّ، فيقول بكار: اللهم اشهد، ثم يرجع، ولما اعتقله ابن طولون أمره أن يسلم القضاء إلى محمد بن شاذان الجوهرى، ففعل وجعله كالخليفة له، وبقى محبوسًا مدة سنتين، وكان يحدث فى السجن من طاق فيه؛ لأن أصحاب الحديث شكوا إلى ابن طولون انقطاع إسماع الحديث من بكار، وسألوه