ويقال: إن المتوكل لما بلغه ما عليه بكار من العلم والزهد والورع والفضل، أرسل إليه كتابًا من بغداد بتقليد القضاء مع نجاب، فلما وصل سأل عنه، وإذا هو خرج من الفرن ومعه الخبز، فسلم عليه، وقال: أنا رسول الخليفة إليك، قف حتى أبلغك رسالته، فقال: ما أقدر على الوقوف معك؛ لأن ردائى استعرته من والدتى لأمضى به وأخبز وأعود، فقف حتى أستأذنها، فاستأذنها فأذنت له فى الوقوف معه واستماع ما جاء به، ففعل، فسلم عليه من الخليفة، وأخبره أنه قلده قضاء مصر، ودفع إليه التقليد، فأخذه ودخل منزله، وخرج له برغيفين من خبزه، وقال له: امض فى حفظ الله، فتعجب النجاب من ذلك، واستحقر الخبز، ولم يمكنه ردهما، فرمى بهما فى مخلاته وتهاون بهما، وقال: واخيبة طريقاه، ثم سار إلى الخليفة وأخبره الخبر، فقال له: وما أجازك به، فضحك ثم أخبره، فأمر بإحضارهما، وكان النجاب قد فرط فى أحدهما، فلما أتاه بالرغيف الثانى دفع إليه ألف دينار، وقال: لو أتيتينى بالآخر أعطيتك ألفًا.
ثم إن النجاب رمد رمدة عظيمة بعد مدة، وأشرف على العمى، وأراد الخليفة أن ينفذه فى رسالته، فاعتذر برمده، فأمر الخليفة بإحضار مكحلة فيها كحل، فكحله منه، فبرئ من ساعته، ومضى فى رسالته، فلما رجع قال: يا أمير المؤمنين، أريد أن تعلمنى ذلك الكحل، فقد وجدت فيه شفاءً عظيمًا، فقال له الخليفة: الرغيف الذى أتيت به من عند القاضى بكار، فجعلناه فى أكحالنا وأدويتنا، فنحن نعافى ببركته، فندم النجاب على ما فرط.
وقال الحافظ ابن عساكر: روى القاضى بكار عن صفوان بن عيسى، وروح بن عبادة، وأبى أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير، وعبيد الله بن بكر السهمى، وعفان بن مسلم، وحسين بن حفص الأصبهانى، وابن الصم بن أبى الوزير، وهشام بن عبد الملك الطيالسى، وأبى عامر العقدى، ومؤمل بن إسماعيل، وعثمان بن عمر بن فارس، وحبان بن هلال، وأبى عاصم، وعبد الله بن حُمران، وأبى داود الطيالسى، ويعقوب بن إسحاق الحضرمى، وعثمان بن الهيثم، ووهب بن جرير، والحكم بن مروان الضرير، وسعيد بن عامر، ويحيى بن حماد، وإبراهيم بن بشار الرمادى، وعبيد بن أبى قرة، وعمر ابن يونس اليمامى، وأبى أيوب أخى خاقان، ومكى بن إبراهيم البخلى، وأبى عمر حفص بن عمر الضرير، وعبد الله بن رجاء، وحسين بن مهدى الأيلى، وقريش بن أنس، وعبد الرحمن بن حسين بن مغيث، وأبى همام محمد بن مجيب الدلال.
وقدم دمشق سنة سبع وستين ومائتين فى صحبة أحمد بن محمد بن بشر القرشى،