للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث سفيان عن أبى حنيفة؟ فقال: نعم، كان أبو حنيفة ثقة صدوقًا فى الحديث والفقه، مأمونًا على دين الله تعالى. وعن الحسن بن صالح: كان النعمان بن ثابت فهمًا عالمًا متثبتًا فى علمه، إذا صح عنده الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعد إلى غيره. وعن عبد الرزاق بن همام: ما رأيت أحدًا قط أحكم من أبى حنيفة. وعن يحيى بن معين: ما رأيت مثل وكيع، وكان يفتى برأى أبى حنيفة. وعن الشافعى: كان أبو حنيفة وقوله فى الفقه مسلمًا له فيه. وكان أحمد بن حنبل كثيرًا ما يثنى على أبى حنيفة، ولاسيما لما ابتلى وضرب على القول بخلق القرآن. وعثمان المزنى كان أبو حنيفة أفقه من حماد، وأفقه من إبراهيم، وأفقه من علقمة.

ولو ذكرنا ما أثنى العلماء الكبار والسادات الأخيار على أبى حنيفة لطال الكتاب جدًا، وفى هذا القدر كفاية للمنصف، وأما المتعصب أو الحاسد فيتصامم عن ذلك، ليت شعرى ما يفيد قول بعض المحطين عليه ممن أتى من بعد هؤلاء الكبار الذين ذكرناهم كالبخارى، فإنه ذكره بالتضعيف، وكالنسائى يقول: كثير الغلط والخطأ على قلة روايته. وكان ابن عدى الذى لا يستحى ولا يعرف مقداره حتى يقول: عامة ما يرويه غلط، وتصحيف، وزيادات، وله أحاديث صالحة، وليس من أهل الحديث. ثم يتبعهم الدارقطنى، والبيهقى، والخطابى فيما ذكروا، فهؤلاء وأمثالهم إن كان قصدهم إظهار الصواب وبيان أن ما فى نفس الأمر فليس كذلك؛ لأن قولهم هذا ينافى ويضاد أقوال من ذكرناهم من الأكابر والسادات كالثورى، وابن عيينة، وابن المبارك، ومالك، والشافعى، وأحمد، ويحيى بن معين، ووكيع، وأضرابهم، وإن كان لغير ذلك فهذا حرام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء"، فانظر ماذا يترتب من الأمر فى هذا، فالعاقل إذا سمع ثناء السادات المذكورين على أبى حنيفة بخير، ثم سمع من هؤلاء بضده يصغى إلى قول المادحين أو إلى قول الذامين، ولا يصغى إلا إلى قول المدح، ولاسيما من هؤلاء العلماء الذين هم أركان الدين، وحفاظ المسلمين، ونقاد المحدثين، ومحمل كلام أهل الذم على التعصب، والتحامل، فلا يمشى إلى ذلك؛ لخمالته وتفاهته.

وقد روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: استعموا علم العلماء، ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذى نفسى بيده هم أشد تعايرًا من التيوس ماذروا بها. وروى أيضًا بإسناده إلى سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال: خذوا من العلم حيث وجدتم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم فى

<<  <  ج: ص:  >  >>