مثل مالك فى حق ابن إسحاق، ولا إلى قول مثل حماد فى عطاء، ومجاهد، وطاووس، ولا إلى قول يحيى بن معين فى الشافعى، فكيف يلتفت إلى كلام ابن العدى، والدارقطنى، ونحوهما فى حق الإمام أبى حنيفة؟! فاعتبر من هذا، وما مثل من تكلم فى حق الأئمة الأربعة إلا كما قيل:
كناطح صخرة يومًا ليفلقها
فلم يضرها وأوهى قرنة الوعل
وهو للأعشى، وقال الحسين بن حميد:
يا ناطح الجبل العالى لتكلمه
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
الفصل السابع
فى فطنته وورعه
وعن الشافعى، رحمه الله تعالى: ما قامت النساء عن رجل أعقل من أبى حنيفة. وقال إبراهيم بن عمر بن حماد بن أبى حنيفة: وكان أبو حنيفة حسن الفراسة، فقال لداود الطائى: أنت تتخلى للعبادة. وقال لأبى يوسف: أنت تميل إلى الدنيا. وقال لزفر وغيره كلامًا، فكان كما قال. وفى التهذيب: عن أسد بن عمر: وصلى أبو حنيفة فيما حفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن فى ركعة واحدة، وكان يسمع بكاؤه فى الليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن فى الموضع الذى توفى فيه سبعين ألف مرة. وعن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، عن أبيه، قال: لما مات أبى سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله، ففعل، فلما غسله قال: رحمك الله وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد عينك الليل منذ أربعين سنة، وقد أتبعت من بعدك، وفضحت القراء. وعن بشر بن الوليد، عن أبى يوسف، قال: بينا أنا أمشى مع أبى حنيفة، إذ سمعت رجلاً يقول لرجل: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، قال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عنى بما لم أفعل. وكان يُحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعًا.
وعن خارجة بن المصعب: ختم القرآن فى ركعة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الدارى، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة. وعن يحيى بن نصير: كان أبو حنيفة ربما ختم القرآن فى شهر رمضان ستين ختمة. وعن عبد الله بن المبارك: قدمت الكوفة فسألت عن أورع أهلها، فقالوا: أبو حنيفة. وعن مكى بن إبراهيم: جالست الكوفيين، فما رأيت منهم أورع من أبى حنيفة. وعن عبيد الله بن عمرو الرقى: كلم ابن هبيرة أبا حنيفة أن يلى قضاء الكوفة فأبى عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، فى كل يوم