للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبى - صلى الله عليه وسلم -: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وأعظم الناس ذلك وأنكروه، خصوصًا بنو أمية، لكون زياد بن عبيد الرومى صار من بنى أمية بن عبد شمس، وفى ذلك يقول عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان:

لقد ضاقت بما يأتى اليدان

وترضى أن يقال أبوك زان

كرحم الفيل من ولد الأتان

ألا بلغ معاوية بن صخر

أتغضب أن يقال أبوك عِنٌّ

فأشهد أن رحمك من زياد

ثم ولى معاوية زيادًا البصرة، وأضاف إليه خراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، ثم إنه كتب إلى معاوية يقول له: إنى قد ضبطت لك العراق بشمالى ويمينى فارغة، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضًا، فلما بلغ أهل الحجاز ذلك جاءوا إلى عبد الله بن عمر، فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلى عليهم زياد، فيعسفهم كما عسف أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة، فدعا على زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد فى بالعراق فى يده، فضاق ذرعًا بذلك واستشار شريحًا القاضى فى قطع يده، فقال شريح: إنى لا أرى لك ذلك، فإنه إن لم يكن فى الأجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفًا من الغاية، وإن كان لك أجل بقيت فى الناس أجذم، فيعير ولدك بذلك، فصرفه ذلك، فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس وقالوا: هلا تركته يقطع يده، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المستشار مؤتمن".

ويقال: إن زياد جعل يقول: أنام أنا والطاعون فى فراش واحد، فعزم على قطع يده، فلما جىء بالمكاوى والحديد خاف من ذلك فترك ذلك، ويذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبًا ليداووه مما يجد من الحر فى باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، فمات فى ثالث شهر رمضان من سنة ثلاث وخمسين، ودفن بالنوبة خارج الكوفة، وقد أقام فى إمارة بالعراق خمس سنين، وكان قد خرج من الكوفة وبرز قاصدًا إلى الحجاز أميرًا عليها، فلما بلغ خبر موته عبد الله بن عمر، قال: اذهب إليك يا ابن سمية، فلا الدنيا بقيت لك ولا الآخرة أدركت. وإنما أوردنا ذكره لأن أبا جعفر أورد حديثًا فى كتاب الحج فى باب الرجل توجه بالهدى إلى مكة، وفيه ذكر زياد بن أبى سفيان هذا، وروى له أثرًا عن عمر بن الخطاب فى لبس الخاتم الذهب والحديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>