للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبح فدعا بلالًا -رضي الله عنه-، قال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، قال: يا رسول الله، ما أذنت قط إلا صلّيت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، ورأيت أن لله علي صلاة ركعتين فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بهما» (١).

وكشف هذه الشبهة من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن الذي يريد الوصول إليه من هذا الأثر هو أن الأصل في العبادات عدم التوقيف على الإطلاق، وهذا مخالف للأدلة والآثار والإجماع - كما تقدم -، فإذا بطل اللازم بطل الملزوم.

الوجه الثاني: ليس في هذا الحديث أن بلالًا أحدث هذا الفعل، وإنما فيه أن بلالًا فاز بهذه المنزلة لمواظبته على هذه العبادة، فيحتمل أن بلالًا عرف الحكم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس آخر، وليس في الحديث ما يدل على أنه أحدثه،

لاسيما وقد أخرج الشيخان (٢) عن عثمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ وضوئي هذا، ثم يصلي ركعتين لا يحدِّث نفسه فيهما بشيء، إلا غفر له ما تقدم من ذنبه».

فبطل الاستدلال بفعل بلال -رضي الله عنه- على جواز إحداث عبادات، لاسيما والأدلة والآثار والإجماعات كلُّها على عدم جواز إحداث عبادات مطلقًا.

فإذن أقل ما يقال - تنزلًا -: إن فعل بلال محتمل للإحداث، ومحتمل أنه أخذه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في موضع آخر، وإذا توارد الاحتمال بطل الاستدلال،


(١) (ص ١٢٦).
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٥٩)، ومسلم رقم (٢٢٦).

<<  <   >  >>