للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال عمر: قد علمت، ولكنه حسن»، ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، فمنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحث على قيام رمضان، ويرغب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحدانًا، وهو -صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع من ذلك معلِّلًا بأنه خشي أن يكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أمن بعده -صلى الله عليه وسلم-، وروي عنه أنه كان يقوم بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر» (١).

قال ابن حجر الهيتمي: «وقول عمر -رضي الله عنه- في التراويح: «نعمت البدعة هي»، أراد البدعةَ اللغوية، وهو ما فعل على غير مثال، كما قال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}] الأحقاف: ٩ [، وليست بدعة شرعًا، فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال -صلى الله عليه وسلم-» (٢).

وأما استدلالهم الرابع بجمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ فلا يصح لسببين:

السبب الأول: أن جمع المصحف من الوسائل المعتبرة والمصالح المرسلة، وذلك أن المقتضي لجمعه ليس موجودًا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يخشى ذهاب القرآن لوجود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما بعد موته، لكن لما كثر قتل القراء خشي ذهابه بذهاب حفاظه، وهو الذي كان السبب في إشارة عمر على أبي بكر بجمع القرآن، أو ان يقال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجمع القرآن في زمانه؛ لأنه لا زال في طور الزيادة والتقديم والتأخير، وهذا ما لا يكون بعد موته -صلى الله عليه وسلم-


(١) جامع العلوم والحكم (٢/ ١٢٨).
(٢) الفتاوى الحديثية (ص: ٢٠٠).

<<  <   >  >>