للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الرابع: القول بأن في الدين بدعةً حسنةً تناقضٌ، وذلك أنه إما أن يدل الدليل على هذه البدعة، أو لا، فإن دلّ الدليل عليها فلا يصح أن تسمى بدعة؛ لأن الدليل دل عليها، فتكون من الدين لا من البدع، وإما أن لا يدل الدليل عليها فهي مردودة؛ لأن الأصل في العبادات التوقف والمنع.

قال الشاطبي: «أن هذا التقسيم (١) أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع، لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوبٍ أو ندب أو إباحة لما كان ثَمَّ بدعةٌ، ولكان العمل داخلًا في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعًا، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها، جمعٌ بين متنافيين» (٢).

وقد خالف بعض المتأخرين وزعموا أن في الدين بدعةً حسنة، واستدلوا بأمور أشهرها ما يلي:

أولًا: روى الخطيب عن أنس أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنٌ» (٣).


(١) أي إلى بدعة حسنة وضلالة، وهو في معرض التقرير أن البدع كلها ضلالة.
(٢) الاعتصام (١/ ٣٢٧).
(٣) تاريخ بغداد (٤/ ٣٨٧) ولفظه: «إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد قلبًا أتقى من أصحابي، ولذلك اختارهم فجعلهم أصحابًا، فما استحسنوا فهو عند الله حسن، وما استقبحوا فهو عند الله قبيح».

<<  <   >  >>