«لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لذكره»؛ قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم، فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقص، ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرارًا، ولا يصرحون بالسماع، ولا يقولون: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» (١).
ثم أيضًا إذا فعل أحدهم فعلًا، ولم ينكر عليه صحابي آخر فيعد إجماعًا على الصحيح.
الوجه الثاني: أنه إذا تعبد الصحابي بعبادة لم يأخذها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا ممن أخذه منه، فإنه يحتمل - تنزلًا - أنه لا يرى العبادات توقيفية لذا أحدثها، ويحتمل أنه فعله اجتهادًا، والقول بالاجتهاد ينافي القول بالإحداث، ويتوافق مع القول بالتوقيف مطلقًا، وذلك أن معنى أنه اجتهد أي إنه نظر في الأدلة مجتهدًا لمعرفة مراد الله، وذلك لأن العبادة توقيفية لا تفعل إلا بدليل.
رد زعمه أن الصحابة بعد وفاة رسول الله لا يرون العبادات توقيفية مطلقًا
الشبهة الثالثة عشرة
قال الكاتب: «كذلك فقد ابتدأ الصحابة -رضي الله عنهم- عددًا من المحدثات بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، مما يدل على أنهم لم يكونوا يعتقدون أن كل ما تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرام، بل لكل محدثة حكمها الذي ينسجم مع مقاصد الشريعة ونصوصها العامة وقواعدها الكلية، ولم يكونوا يقبلون - في الوقت نفسه - كل محدثة في الدين، بل كانوا ينكرون من المحدثات ما يعتقدون أنه من البدع السيئة التي